كثيرة هي الرّوايات التي تحدّثت عن معاجز النّبيّ وكراماته، والّتي جاءت لتؤكّد حقيقة تأييد الله تعالى له، لما جاء به من رسالة، ولما أتى به من أجل إفحام المبطلين الّذين أغلق الله قلوبهم عن الحقّ، وختم على سمعهم وأبصارهم، وكانوا مطّلعين على هذه الكرامات والمعاجز، ولكنّهم لم يحرّكوا قواهم ومشاعرهم في سبيل استلهامها وتمثّلها في سلوكيّاتهم.
ولم تكن المعجزة ولا الكرامة للنّبيّ شيئاً منفصلاً عن وظيفته في تأكيد قيم الرّسالة ومفاهيمها الروحيّة والأخلاقيّة، إذ ليست الكرامة والمعاجز شيئاً خاصّا بالنبي ليزداد مرتبة اجتماعية أو انسانية، بل ليزداد حجة على الناس، ولتزداد وسائل إقناعه لهم بضرروة الانفتاح على غيب الله بشكل عميق، وما لله من عظمة تأبى الفهم السّطحيّ.
والفرق بين المعجزة والكرامة، هو أنَّ المعجزة يأتي بها النّبيّ ليعجز الآخرين، بمعنى إتيانه بأمر خارق للعادة والمألوف، ولا تقدر الناس على الإتيان بمثله. والمعجزة هنا في مقام التحدّي لمنكري الرساله من جهة، ولإثبات سماويتها من جهة أخرى.
يقول السيّد فضل الله (رض): "إنَّ المعجزة تشكّل القاعدة الّتي تنطلق منها الرّسالة، لتؤكّد شرعيتها في إخضاع الحياة لمفاهيمها وشرائعها، على أساس ما تمثّله من إرادة الله، كما أنها تشكّل القوّة الصّادمة للقوى المناوئة، بحيث لا تسمح لاستفزازاتها بأن تشوِّه وجه الدّعوة، أو تحرّفها عن مسيرتها القويّة، ولا سيّما في بداياتها الأولى، لئلّا تبدأ بداية ضعيفةً يحوطها الغموض وتنتابها الشّبهات".[من وحي القرآن، ج:1، ص179].
ويتابع سماحته(رض): "وقد يُقال إنّ التحدّي موجَّه إلى النّاس كافّةً، فلا بدّ من أن يكون في إطارٍ يشمل كلّ الجوانب الّتي يمكن أن تُثار أمام النّاس بمختلف فئاتهم، في أجواء التحدّي، ولنا أن نجيب:
أوّلاً: إنّ التحدّي لا يمكن أن يتحرّك في فراغٍ في عصر نزول القرآن، بل لا بدَّ له من أن يتوجَّه إلى الناس المعاصرين للدّعوة، وليس من الضروريّ أن يتّسع التحدّي لكلِّ الاختصاصات، بل يكفي فيه أن يكون معجزاً، ولو في بعض المجالات الّتي تثبت ارتباط الرّسول بالقوّة الإلهيّة، كما نلاحظ ذلك في معاجز سائر الأنبياء.
ثانياً: إنّ السّور القرآنيّة، ولا سيّما السّور الصّغيرة منها، لا تشتمل على أيّة قضية علميّة أو تشريعيّة أو غيبيّة، فكيف يمكن أن يكون التحدّي منطلقاً في هذه الاتجاهات...".[تفسير من وحي القرآن، ج:1، ص:180-186].
ويضيف: "إنّ المعجزة تمثّل قمَّة التحدّي لهذا الواقع، بالدَّرجة التي تشكِّل صدمةً له من خلال المستوى الإعجازيّ الّذي لا يمكن صدوره عن قدرات بشريّة، فيدلّ على علاقته الرساليّة بالله...". [تفسير من وحي القرآن، ج:8، ص:394].
أمّا الكرامة، فيأتي بها الرسول أو الإمام المعصوم من أجل بيان فضلهم ومنزلتهم بين الناس، حتى يعكف الناس على الاقتداء بهم، وتمثل سيرتهم عن بصيرة ووعي، وحتى يكونوا حجة على الخلق، لما لهم من منزلة وكرامة عند الله تعالى.
حتى الكرامة، فإنَّ الله تعالى يظهرها على أيدي أوليائه بما يحقِّق الحكمة والغرض منها في الواقع، وليس كيفما اتّفق، ولذلك يقول السيّد محسن الأمين(قده):
"إنّ فضائل أئمة أهل البيت(ع) وكراماتهم، لا يشكّ فيها أحد، ولكنّ كثيراً من الكرامات التي تنقل على ألسنة النّاس هي مكذوبة، لأنَّ الكرامة لا تأتي عفواً أو متى شاءها الإنسان، وعلى يد كلّ أحد، ومع كلّ مناسبة، وإنما تكون عند موجب قويّ يقتضيها"[رحلات السيّد محسن الأمين، ص 145].
وحول الفرق بين المعجزة والكرامة، يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض):
"المعجزة ما يصدر عن النبيّ(ص) بما يقدره الله عليه ويكون في مقام التحدي لإثبات الرسالة ويكون من الخارق للعادة، والكرامة ما يُعطى للأولياء في مقام إظهار فضلهم ومنزلتهم، ولأهل البيت(ع) من كرامات".[استفتاءات].
والمعجزة والكرامة من الوسائل الّتي تجعل إيماننا متجذّراً ومرتبطاً أكثر بالله تعالى، وليستا من أجل التفكّه والتندّر بالأحاديث، بل هما للدّعوة المستمرة إلى الانفتاح على ما عند النبيّ وأهل البيت من خلق رفيع، وسلوك قويم نهتدي به، ونأخذ منه القوّة الروحية والإيمانية في مواجهة التحدّيات...
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.