من المصطلحات الفقهيّة التي ترد في كتب الفقه، مصطلح "الإيلاء". فما معناه وتعريفه؟ وماذا يترتّب عليه من آثار شرعيّة تتّصل بعلاقة الزّوج بزوجته وبوضعيّة هذه العلاقة؟
جاء في كتاب "المصطلحات الفقهيّة" للشيخ علي المشكيني في معرض حديثه عن مصطلح "الإيلاء" وما يتفرّع عنه من أحكام:
"الإيلاء في اللّغة الحلف. يقال: آلى يولي إيلاءً وأليّة حلف، وجمع أليّة ألايا كعطيّة وعطايا. وفي المفردات: ألوت في الأمر قصرت فيه. وحقيقة الإيلاء والأليّة، الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه، وجعل الإيلاء في الشَّرع للحلف المانع من جماع المرأة. انتهى.
وكيف كان الإيلاء في اصطلاح الشّرع والفقهاء عبارة عن حلف خاصّ مقيّد بقيود، وهو حلف الزّوج على ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلاً أبداً، أو في زمان زائد على أربعة أشهر للإضرار بها. فالقيود المضافة إلى المعنى اللّغوي سبعة، فلو حلف غير الزّوج، كمالك الأمة، أو حلف الزّوج على ترك التكلّم معها مثلاً دون الوطء، أو على ترك وطء المنقطعة أو غير المدخول بها، أو على ترك الوطء دبراً، أو على تركه شهراً أو شهرين، أو على تركه أزيد من أربعة أشهر لعذر من مرض ونحوه، لا يكون إيلاءً، ولا يترتّب عليه حكمه. نعم، هو يمين مطلق ينفذ مع تحقق شرائطه.
ثم إنّه يفترق هذا الحلف عن غيره بأمور؛ الأوّل أنّه ينعقد مع حرمة متعلّقه، لأنه حلف على ترك الواجب. الثّاني أنّه يجوز للزّوج المبادرة إلى حنث هذا الحلف قبل تمام الأربعة أشهر بالرّجوع والوطء ويكفّر لحنث النَّذر. الثّالث أنّه يجب عليه الحنث بعد تمام الأربعة أشهر لوجوب الوطء، فإذا وطئ كفَّر للحنث. الرّابع لو طلّقها قبل انقضاء المدّة أو بعده، زال حكم الزوجيّة وسقطت الرّجوع والكفّارة، وأمّا المرأة، فلها أن تصبر أبداً ولا تطالبه، ولها أن تطالبه وترفع أمره إلى الحاكم، فيجبره على أحد الأمرين تخييراً". [كتاب "المصطلحات الفقهيّة" - الشيخ المشكيني].
ويتعرّض العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) لحقيقة الإيلاء، وما يعتبر فيه من شروط شرعيّة، وما يتعلّق به من أحكام. يقول:
"الإيلاء نحو خاصّ من اليمين، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه عدا أمرين:
الأول: لا يعتبر فيه أن يكون متعلقه راجحاً، فرغم أن المحلوف عليه هو ترك وطء الزوجة من حيث هو حقّ لها، وبهدف الإضرار بها، فإنّه ينعقد يميناً وتترتب عليه بعض آثاره.
الثاني: لا يأثم الحالف إذا حنث به، بل إنّه يجب عليه الحنث به وفاءً للزّوجة بحقّها، لكن مع الكفّارة.
لا ينعقد الإيلاء ـ كمطلق اليمين ـ إلا باسم الله تعالى المختصّ به، أو ما ينصرف إطلاقه إليه، ولا يعتبر فيه العربيّة، فضلاً عن اعتبار أن تكون العربيّة صحيحة وفصحى، وكذا لا يعتبر أن يكون اللّفظ صريحاً في ترك الجماع، بل يكفي كلّ لفظ يفهم منه الحلف على ترك ذلك العمل، بمثل: «والله لا أجامعك»، أو «لا أمَسُّك»؛ بل يكفي قوله: «والله لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة»، إذا قصد به ترك الجماع.
ـ لا بدّ لصدق الإيلاء بمعناه المصطلح من توفّر العناصر التالية:
الأوّل: أن تكون الزّوجة دائمة، فلا يتحقَّق الإيلاء في المتمتَّع بها.
الثاني: أن تكون مدخولاً بها ولو دبراً، فلا إيلاء في غير المدخول بها.
الثالث: أن يكون المحلوف عليه ترك جماعها في الفرج، فلا يتحقّق في الحلف على ترك جماعها دبراً.
الرّابع: أن تكون مدّة التّرك: إمّا مؤقّتة بأربعة أشهر فصاعداً، أو كانت بحيث قد نَصَّ على كونه دائماً، أو حلف فأطلق كلامه من حيث المدّة، فلم يذكرها، فإن حلف على ترك وطئها مدّة هي أقلّ من أربعة أشهر، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، حتى لو كانت تتضرّر بترك جماعها في تلك المدّة.
الخامس: أن يكون هدفه من الحلف الإضرار بها، فلو كان حلفه لا بهذا الغرض، بل إمّا لغرض نافع لهما أو لأحدهما، أو بدون غرض البتّة، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح.
إذا فقد الإيلاء أحد العناصر المذكورة في المسألة السّابقة، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، فلا يترتب عليه ما سنذكره له من أحكام في هذا المبحث، بل يجري عليه ما سبق ذكره من أحكام اليمين إذا اجتمعت شروطه، ومن شروطه أنّه لا ينعقد يميناً إلّا إذا كان متعلّقه راجحاً، فلو حلف أن يترك مجامعة زوجته لمدّة أقلّ من أربعة أشهر، لم ينعقد يمينه، لأنّ لها عليه حقّ الاستمتاع كلّما طلبته، فيكون حلفه منافياً لحقّها عليه فيبطل؛ وهكذا يراعى في سائر موارده شروط اليمين التي سبق ذكرها في مباحث النّذر والعهد واليمين.
ـ يعتبر في (المؤلي) أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً، فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران ومن اشتدّ به الغضب حتى سلبه قصده، بل ولا ممن لا يقدر على الجماع لجَبٍّ أو عننٍ، بحيث لا يمكنه أن يحقّق الجماع عند تخييره بينه وبين الطّلاق بالنّحو الذي سيأتي بيانه.
ـ إذا تمّ الإيلاء بالنحو الذي ذكرناه، جاز له البقاء على يمينه وامتناعه إلى أربعة أشهر، فإن طلبته قبل ذلك، جاز له الوفاء لها والحنث باليمين، فإن أجابها ـ حينئذٍ ـ فوطئها، لزمته كفّارة حنث اليمين دون أن يأثم في هذا الحنث، وهي نفس كفارة حنث اليمين، أي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيّام؛ وكذا لو كان قد حلف على ترك الوطء دائماً أو مطلقاً، فوطئها بعد ذلك". [فقه الشّريعة].
ويتناول العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة موضوع الإيلاء، عارضاً آراء بقية المذاهب الإسلاميّة حوله:
"الإيلاء: أن يحلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته، والأصل فيه الآية 226 من سورة البقرة: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
واشترط الإماميّة أن تكون الزّوجة مدخولاً بها، وإلّا لم يقع الإيلاء.
واتفقت المذاهب على أنَّ الإيلاء يقع إذا حلف الزّوج على ترك وطء الزوجة مدة حياتها، أو مدّة تزيد على أربعة أشهر، واختلفوا في الأربعة أشهر، فقال الحنفيّة: يقع الإيلاء. ولا يقع عند سائر المذاهب.
واتفقوا على أنّه إذا وطئ في الأربعة الأشهر يكفّر، ويزول المانع من استمرار الزواج. واختلفوا فيما إذا مضت الأربعة ولم يطأ، فقال الحنفية:
تطلّق تلقائياً طلقة بائنة دون أن ترفع أمرها إلى القاضي، أو يطلّقها الزوج. (بداية المجتهد).
وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا مضى أكثر من أربعة أشهر ولم يفعل، رفعت أمرها إلى الحاكم لكي يأمره بالوطء، فإن امتنع أمَره بالطّلاق، فإن امتنع، طلّقها الحاكم ويكون الطلاق رجعياً على كلّ حال. (فرق الزواج للخفيف).
وقال الإماميّة: إن مضى أكثر من الأربعة أشهر ولم يطأ، فإن صبرت ورضيت فلها ذلك، ولا يحقّ لأحد أن يعترض، وإن لم تصبر، رَفَعت أمرها إلى الحاكم، وبعد مضيّ الأربعة أشهر، يجبره على الرّجوع أو الطلاق، فإن امتنع، ضيّق عليه وحبسه حتى يختار أحد الأمرين، ولا يحقّ للحاكم أن يطلّق قهراًعن الزّوج.
واتفقوا جميعاً على أنّ كفارة اليمين أن يخير الحالف بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام".[الفقه على المذاهب الخمسة].