أمّا بعد: فإنّ النّاس لا يزالون في عاداتهم السلوكيّة خاضعين لشهواتهم وملذّاتهم، ومستغرقين في التزاماتهم بها، من دون أن يدرسوا الأضرار الكبيرة المترتّبة عليها، بما في ذلك الأضرار التي قد تؤدّي بالإنسان إلى إلقاء نفسه في التهلكة، أو فيما يَقْرُبُ منها، لأنّ إدمان تلك الأمور تحوّل إلى عادةٍ مستحكمةٍ تشبه العبادة لجهة الخضوع والانقياد لها، من دون التفاتٍ إلى النّتائج السلبيّة التي ترهق حياة هذا الإنسان وتدمّر عافيته.
ومن هذه العادات الشّائعة عند النّاس، والمسيطرة على أوضاعهم، عادة التدخين، التي أقبل عليها العلماء الكبار والوجهاء وسائر طبقات المجتمع، باعتبار أنّها تجلب لهم الراحة النفسيّة، أو ترتفع بحياتهم اللاهية إلى المستوى الذي يحقّق لهم السعادة بطريقةٍ خياليّة تهيمن على مشاعرهم وأحاسيسهم، وتحقّق لهم الطمأنينة فيما ينفتحون عليه.
ومن المؤسف أنّ الكثيرين من المجتهدين من المسلمين السنّة والشيعة، قد أصدروا الفتاوى بإباحة هذه العادة المضرّة، اعتماداً على أصالة الإباحة فيما لم يرد فيه نصٌّ من كتابٍ أو سنّةٍ، ولم يدرسوا الخصائص الخبيثة الكامنة فيها التي تؤدّي إلى الإصابة بالأمراض المميتة، التي قد لا تحدث بشكلٍ سريعٍ، ولكنّها تجعل الإنسان مُعرّضاً لذلك، ولو بعد حين، بما قد يجعل الإدمان عليها إلقاءً للنّفس في التهلُكة، ومصداقاً لما كان ضرره أكبر من نفعه.
وربّما نجد بعض الفقهاء يفتي بأنّ الإضرار بالنفس ليس حراماً إلا إذا كان مميتاً، من دون التفاتٍ منهم إلى أنّ أضرار التدخين تصل إلى حدّ تعريض النفس للموت، لأنّهم قد لا يملكون الخبرة والمعرفة بعناصره السيّئة ونتائجه السلبية ممّا أجمع أهل الخبرة عليه، ولذا رأينا أنّ العالمَ قد توصّل إلى المنع عن هذه العادة في الأماكن العامّة، لما يترتّب عليها من تلويث البيئة العامّة، بما يؤدّي إلى إسقاط المناعة الصحيّة، والإضرار بالغير ممّن يعيشون مع المدخّنين فيما يسمّى بالتدخين السلبي، الذي قد يكون ضرره كضرر التّدخين المباشر.
*النّصّ عبارة عن تقديم سماحته لكتاب "فقه السّلامة الصحيّة" لسماحة الشّيخ حسين الخشن.