استطاعت الحركة الإسلاميّة أن تقدِّم المرأة عدّة خطوات، إذا لم نقل عدّة أشواط، عندما دفعت بها لكي تمارس دورها السياسيّ والاجتماعي وبعض الدّور الثقافي ـــ ولو بدرجة محدودة ـــ انطلاقاً من طبيعة الظروف التي عاشتها المرأة المسلمة، وانطلاقاً من "عمر" الحركة الإسلاميّة...
ومن جهةٍ ثالثة، فإنَّ الحركة الإسلاميّة ليست واحدة.. هناك حركات إسلاميّة لا تزال تحمل الكثير من أفكار التخلّف.. لا تزال خاضعةً للمفاهيم "الدّارجة" في المسائل التي تتّصل بالعرف والتّقاليد، ولذلك، فإنَّ هناك معاناة للمرأة مع بعض الحركات الإسلاميّة، تماماً كما هناك معاناة من جهاتٍ أخرى.
وهناك نقطة مهمّة، وهي أنّني أعتقد أنّ الموقع يؤخَذ ولا يُعطى، وعلى المرأة أن تثق بنفسها وتفجِّر طاقاتها، وأن تتصدَّى للتحدّيات، وتعمل على تنمية نفسها، وعلى أن تُقاتِل من أجل أن تجعل من عقلها عقلاً يحتاجه الناس، ومن جهدها جهداً يحتاجه الناس.. إنَّ الإنسان الذي يجعل من نفسه حاجة لمجتمعه، هو الذي ينحني له مجتمعه بفعل إغنائه لمجتمعه.
لذلك، لن تستطيع حركة إسلاميّة ولا غير إسلاميّة أن تصنع للمرأة دورها.. فقط، يمكن لها أن تعطيها إشارة الانطلاق، أو تُهيِّئ لها ظروفاً ملائمة، ولكنّها لا تستطيع أن تجعل من المرأة قائداً.. المرأة هي التي تحاول أن تعيش في نفسها مشروع قيادة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية.. وذلك بتنمية طاقاتها التي قد يرفضها المجتمع، ولكنّها عند ذلك تملك القوّة التي تستطيع من خلالها أن تُواجه ضربات التيّار.
المسألة تحتاج إلى التحرُّك في خطّين: الخطّ الأوّل، توعية الرّجل فيما هو الدور الإنساني للمرأة في النظرية الإسلاميّة. والخطّ الثاني، هو أن تبادر المرأة لأن تستفيد من الثغرات الموجودة.. فعندما نكون في سجن، علينا ألا ننطح رؤوسنا بجدران السجن، أو أن نعيش الحالة المأساويّة التي تجعلنا نسقط نفسياً وروحياً، علينا أن نبحث عن أيّ ثغرة في السجن، عن أيِّ شيء، سلك حديديّ صغير، حجر صغير، نعمل من خلاله على أن نفتح نقطة للضّوء هنا، ونقطة للضّوء هناك.. ومن هنا، نفهم قول الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}[الطّلاق: 2]، باعتبار أنَّ الذي يتّقي الله يُحرِّك إرادته، وينطلق في مسؤوليَّته، ولا يسقط أمام التحدّيات، ولا يضعف أمام الضغوط.. وعندما يبدأ في اكتشاف المنفذ، فإنَّ الله يُعينه على ذلك.
إنَّ علينا أن نريد حتّى يُعيننا الله فيما نريد {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرّعد: 11].. مشكلة المرأة في كثيرٍ من مواقعها، أنّها لا تثق بنفسها، حتّى ولو أعطاها الرجل الفرصة، أو تخاف أن تؤمن بنفسها، ولذلك قد تعيش الاهتزاز أمام الحريّة المعطاة لها، تماماً كأيّ شعبٍ من الشعوب يعيش مدّة طويلة تحت سلطة جهة أخرى، فإنّه لا يُطيق الحريّة، بل يخاف منها، بل ربّما يطلب من الذين كانوا يضغطون على حريّته أن يعودوا للضّغط من جديد. بعض الناس يخاف من القوّة، في أن يكتشف نفسه قويّاً، لأنَّ القوّة قد تفقده بعض راحته، وتفقده بعض امتيازاته.
*من كتاب "للإنسان والحياة".