[ارتباط الحجاب بعنوان القمع جعل الكثير من النّساء يتجاوبن مع الأصوات التي
ارتفعت في عصرنا الحاليّ داعيةً المرأة إلى خلعه، كيف تبرِّرون تلك الاستجابة
الواسعة مع تلك الدّعوة؟].
في هذه المسألة هناك نقطتان:
الأولى: إنَّ ارتداء الكثيرات للحجاب لم يكن يستند إلى قاعدة الالتزام الدّينيّ
الذي يوجب الانفتاح على أوامر الله ونواهيه، بعيداً من نوازع الذّات وتقلّبات
الأوضاع الاجتماعيّة، بل كانت مسألة الحجاب بالنّسبة إليهنَّ مجرّد عادة من العادات.
فنحن نلاحظ بعض الآباء ـــ حتّى الملتزمين منهم ـــ يبرّرون أمام بناتهم فرض الحجاب
عليهنّ بأنّ خلعه يعتبر عيباً يعرِّضهن لانتقاد الناس، وأنّه قد يسيء إلى كرامة
الأب أو العائلة أو ما إلى ذلك، بحيث يغرسون في وجدان الفتيات أنّه مسألة تتَّصل
بالتقاليد ولا تتَّصل بالالتزام الدينيّ وبالتقوى.
ولذلك، فقد نجد فتيات يصلِّين ويصمن ويتقيَّدن بالكثير من الأحكام الشرعيّة،
ولكنَّهنّ لا يلتزمن بالحجاب، باعتبار أنّه من التقاليد البالية، وليس له علاقة
بالدّين.
ولهذا، نعتقد أنَّ أسلوب التربية هو أحد العوامل المسؤولة عن تجاوب النساء مع دعوة
خلع الحجاب.
لذلك، لا بدَّ لأسلوب التربية في هذا الجانب من أن يستعمل المفردات الدينيّة التي
تجعل من تفكير المرأة في الحجاب تفكيراً مماثلاً لتفكيرها في الصّلاة والصّوم، على
أساس أنَّ الحجاب واجب أمر الله به كما أمر بالصّلاة والصّوم، وليس مجرَّد حالة
طارئة تفرضها العادات والتقاليد الاجتماعيّة، أو تفرضها الأوضاع الذاتيّة أو
العائليّة، وليس مسألة عيب وما إلى ذلك.
هذه نقطة، أمّا النقطة الثانية التي قد تكون سبباً في خلع المرأة للحجاب بهذا
الشّكل، فهي أنّ المرأة عاشت، في الواقع العربيّ أو الإسلاميّ، حالة قمع شديد، ألغى
إنسانيَّتها أمام الرّجل، وهمَّش شخصيّتها، وأوحى إليها أنّها مجرَّد شيء من أشياء
الرَّجل، يحافظ عليها بإخفائها عن الأنظار كما يحافظ على أشيائه، وأنّه لا ينظر
إليها كإنسانة لها عقل وإرادة، ولها حياتها وتطلّعاتها وأحلامها بعيداً عنه، تماماً
كما هي حال الرجال..
ومن المحتمل أن يكون الحجاب قد أصبح بالنّسبة إلى المرأة في وضعها الاجتماعيّ هذا،
السِّجن الذي تعيش فيه، ما يجعل اختراقه اختراقاً لجدران السّجن، تماماً كما هي حال
من يعيش في مأزق، فإنّه يحاول الخروج من المأزق كيفما كان، دون النَّظر إلى طبيعة
النَّتائج التي تترتّب على ذلك، حيث يمكن أن يدخل، نتيجة حركته، مأزقاً أكثر صعوبة
وإيقاعاً في المشاكل...
[يشار إلى] أنَّ سيطرة الغرب على المنطقة سياسيّاً، استتبع سيطرته على الخطوط
الثقافيّة والاجتماعيّة فيها، ما عزَّز اتجاه المرأة إلى اختراق أسوار الحجاب،
استجابةً للإيحاءات الثقافيّة التي أوهمتها بأنَّ السفور يحقِّق لها إنسانيَّتها،
ويطلق لها حريَّتها، وقد استغلَّ الغرب، لتأكيد دعوته، الواقع الَّذي كانت تعيشه
المرأة وتتخيّل أنّه من إفرازات الإسلام.
* من كتاب "دنيا المرأة".