كي توفِّق المرأة بين علاقتها الزوجيَّة الخاصَّة، ومسؤوليَّتها الاجتماعيَّة
العامَّة، لا بدَّ لها أولاً من التفاهم مع زوجها على طريقة توزيع وقتها بين أداء
حقوقه الخاصَّة والعامَّة كزوج، وبين أداء حقوق المجتمع عليها. هذا إذا كان الرَّجل
واعياً لأهمية النشاط الاجتماعيّ، ومتفهّماً لضرورة مشاركة زوجته فيه. أمَّا إذا
كانت العلاقة الزوجية تفتقر إلى هذا النوع من التفاهم الذي يمكن التأسيس عليه في
مسألة التوفيق تلك، فلا بدَّ للمرأة من العمل على اكتشاف نقاط ضعف زوجها من حاجات
وعواطف وأوضاع، والتصرّف بلباقة لاحتوائها، واستخدامها مداخل لتحصيل قبوله بعملها
الاجتماعي. إنَّ احتواء المرأة لزوجها في حاجاته وعواطفه وما إلى ذلك، يحمل الرجل
عادةً على القبول بإعطائها المزيد من الحريَّة في حياتها الخاصَّة والعامَّة، ويفسح
لها المجال للحركة خارج العلاقة الزوجيَّة.
أمّا إذا كان موقف الزوج موقف التمرُّد، كحال الكثير من الأزواج الذين يحدّدون
مواقفهم في ضوء رغباتهم الذاتيَّة فقط، دون النظر إلى ما عداها من أمور، ويطلبون أن
تكون زوجاتهم لهم بالمطلق، حتّى في الحالات الَّتي لا يحتاجونها بشكلٍ خاصّ كأزواج،
أو كحال من يفرضون على زوجاتهم أن يبقين خارج العمل الاجتماعيّ أو السياسيّ من موقع
العقدة الذاتيَّة الخاصَّة من ذاك العمل، في مثل هذه الحالات التي لا ينفع فيها
الحوار، ولا محاولات الاحتواء، على المرأة أن تعمل على حماية حياتها الزوجيَّة أولاً،
خصوصاً إذا كانت تجد نفسها في حياتها الزوجيَّة تلك، ثم تحاول استغلال الظروف التي
تسمح لها بالعمل في النشاط العام من دون أن يتصادم ذلك مع حياتها الزوجيَّة.
أمّا إذا كانت الزوجة لا تجد نفسها في إطار العلاقة الزوجيَّة كما يفرضها زوجها،
فعليها طرح الأمر عليه بوصفه مشكلة تهدِّد العلاقة الزوجية بينهما، كي تفرض على
الزوج مراعاة حاجتها إلى العمل. ففي الوقت الذي نؤكّد ضرورة صبر الزوجة ما أمكن
ريثما تجد حلاً لمشكلتها، نقول إنَّ العلاقة الزوجيَّة يجب أن تقوم على المودّة
والرحمة، فإذا ما فقد كلّ طرف فيها إمكانية الاستقامة على الخطّ، أو إمكانية
التفاهم على صيغة موحَّدة للحياة، فإنّ بإمكانهما الاتفاق على حلٍّ آخر بلا شكّ.
أمّا من الناحية الشرعيَّة، فإنّ مدى أهمية قبول الرجل بعمل زوجته ـــ طوعياً كان
أو معيشياً ـــ تتعلّق بمشروعية خروج المرأة من بيت زوجها دون إذنه، ومشهور الفقهاء
من السُنّة والشيعة يتّفقون على أنَّ خروج المرأة دون إذن زوجها غير جائز إلَّا في
حال كان خروجها واجباً شرعياً تفرضه المصلحة العليا للمجتمع، أو في حال كانت قد
اشترطت لنفسها حريّة الخروج في عقد الزواج.
أمّا نحن، فنرى أنّه بإمكان المرأة الخروج من بيت زوجها وإن عارض ذلك، بشرط أن لا
يتنافى ذلك مع حقّ زوجها الخاصّ. وبالتالي، فإنّ بإمكان المرأة أن تجد الطريقة التي
تراها ملائمة للتوفيق بين حياتها الزوجيَّة وحياتها العامَّة، بحيث تحرص على
التواجد في المنزل في الأوقات التي يحتاج فيها الزَّواج إليها.
* من كتاب "دنيا المرأة".