قال عليّ (ع) في في رسالةٍ لابن عباس: "أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، فَلاَ يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ في نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ، وَلكِنْ إطْفَاءُ بِاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ".
ويرسم عليّ (ع) منهج السّرور والحزن والهمّ: "وَلْيَكُنْ سُرورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ - {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ}[المزمّل: 20]... - وَأَسَفُكَ - أن تأسف لا عن مالٍ فقدته، بل - عَلَى مَا خَلَّفْتَ - من فرص ومن سيّئات - وَهَمُّكَ فِيَما بَعْدَ الْموْتِ"1، ويعطينا الله الفرح الكبير {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58].
فإذا أردت أن تفرح، فافرح بفضل الله عليك، وافرح برحمة الله عليك، فإنَّ ذلك يعني أنَّ الله يحبّك، وأنَّ الله يرضاك، وأنَّه يفتح أبواب رحمته عليك، وأنَّه يحتضنك في مصيرك بكلِّ حنانه وعطفه ولطفه واحتضانه، وهذا هو الفرح الكبير {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}...
ولذلك اختصر عليّ (ع) فرح العيد في هذا الاتجاه بقوله: "إنَّما هو عيدٌ لمَنْ قَبِلَ اللهُ تعالَى صيامَهُ، وشَكَرَ قيامَهُ - لأنَّ الله إذا قبل صيامه وقيامه، فإنَّ ذلك يجعله مرضيّاً عند الله، ويجعله قريباً عند الله، ويجعله فرحاً بما عند الله - وكلُّ يومٍ لا يُعصَى اللهُ فيه فهو يومُ عيدٍ"2...
فتلك هي السَّعادة الَّتي عاشها رسول الله (ص) ورجلاه تدميان من الحجارة رماه بها أوباش الطَّائف عندما زارهم هناك، وأذناه تستمعان إلى كلِّ الكلمات غير المسؤولة من السّباب والشَّتائم والاتهامات الباطلة، ولكنَّه كان فرح القلب "إن لم يكُن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي"3.
هذا هو الفرح الكبير الَّذي عاشه رسول الله في كلِّ حياته، وكان هو الَّذي يمنحه القوَّة عندما يعيش مع الله، ويرى ألطاف الله تفيض عليه وتهمي {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التَّوبة: 40]، وعاش السكينة من خلال ذلك، وهذا هو الفرح الروحيّ الكبير الَّذي عاشه أبو عبدالله الحسين (ع) عندما تلقَّى بيديه دم طفله الرَّضيع، وكان في قلب الألم الأبويّ في عمق معناه يعيش امتداد الفرح الروحي في ذلك: "هوَّنَ ما نزل بي أنه بعين الله"4...
هذا هو الفرح كلّ الفرح، وعلينا أن نعيشه عقلاً وقلباً وحركة وحياة، حتى نحصل على تلك الهمسة الروحيّة ونحن نودِّع هذه الحياة...
* من كتاب "النَّدوة"، ج4.
[1]نهج البلاغة، من كتاب له (ع) إلى عبدالله بن عباس.
[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج88، ص 136.
[3]بحار الأنوار، ج19، ص 22.
[4]بحار الأنوار، ج45، ص 46.