[في الوقت الّذي ينظر البعض إلى المرأة القويَّة نظرة سلبيّة ويشيطنها]، نجد أنَّ
القرآن الكريم حدَّثنا عن امرأة قويَّة كانت في قمَّة السلطة، وقد قدَّمها إلينا
كما لو كانت نموذجاً حيّاً للمرأة؛ إنَّها "ملكة سبأ"، التي عندما جاءها كتاب
سليمان (ع)، جمعت قومها واستشارتهم، وبهذا كانت المرأة المسؤولة الَّتي لا تستبدّ
برأيها، بل تحاول أن تتفهَّم النتائج من خلال الشُّورى، وعندما واجهها الرجال بعرض
عضلاتهم أمامها، واستعدادهم للدّفاع عنها، بدأت تتكلَّم معهم بلغة الفِكر: {قَالَتْ
إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[النَّمل: 34]، فكانوا يعرضون عضلاتهم
الجسدية، وكانت تعرض عضلاتها الفكرية.
ثمّ عندما انطلقت مع سليمان وبعثت {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ
فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}[النّمل: 35]، حتّى تعرف، هل هو مَلِكٌ
أم هو نبيّ، عندما انطلقت بهذا، أسلمت من موقع قناعتها. لقد صوَّر لنا القرآن هذه
الملكة امرأة قويّة في فكرها، تبعث على الاحترام.
وهكذا صوَّر لنا القرآن "امرأة فرعون"، هذه الإنسانة التي كانت أقوى من حالة
الإغراء، وأقوى من فرعون {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ
وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ}[التَّحريم: 11]، وبذلك نلاحظ أنّها كانت تمثّل المرأة القوية.
وربَّما كانت مسألة الحديث عن الشيطنة في المرأة الذكيّة القويَّة، منطلقة من أنّ
الواقع الذي أُريد له أن يحيط بالمرأة على مدى التاريخ، كان يُفجّر لها عبقريّتها
في الكيد والمكر والحيلة والدّهاء، من أجل أن تحمي نفسها من هذا الواقع.. وهكذا جاء
في القرآن الكريم، وليس حديثاً عن الرَّسول، ولكنَّه حديث عن عزيز مصر: {إِنَّهُ
مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف: 28]. وهناك تفسيرٌ لمسألة كيد
المرأة، وهو أنَّ المرأة تملك عبقرية، ولكن عندما لا يُسمَح لها بأنْ تُفجِّر هذه
العبقريَّة في الجوانب العامّة، فإنّها تُفجِّرها في حماية نفسها في هذا المجال.
إنَّ هذا المفهوم ليس مفهوماً دينياً، أن تكون المرأة ضعيفة الفكر، بل هو مفهومٌ
جاهلي، لا بدَّ لنا من أن نقوم بالتَّوعية لإنقاذ الناس منه.
* من كتاب "للإنسان والحياة".