إذا اطَّلعت على عيوب النّاس، وكانوا يحرصون على إخفائها، فلا يجوز لك أن تصرّح بها {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً}.
والغيبة هي أن تذكر أخاك بعيب مستور في غيبته، والله يصوّر لنا المسألة هكذا: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}. فماذا تقول إذا مات أخوك، وجاء وقت الطَّعام، وقلت أعطوني سكيناً، فيقال لك: ماذا تفعل بها؟ فتقول: لقد كان أخي سميناً، أُريد أن أقطّع عضلات يديه أو رجليه لأشويها فأتغذّى بها.. فهل مَن يفعل هذا إنسان أم وحشٌ؟ بل هو أشرُّ من الوحش!!
{فَكَرِهْتُمُوهُ} أي رفضتموه، لكنّكم تفعلون مثله، والغائب كالميت، فالميت لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وكرامة الإنسان كلحمه، فبعض النَّاس قد يقول لك: قطّع من لحمي ولكن لا تقطّع من كرامتي، وأخوك في الإيمان هو مثل أخيك في النَّسب {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إيّاكم والغيبة، فإنَّ الغيبة أشدّ من الزنا... إنَّ الرَّجل يزني ثمّ يتوب فيتوب الله عليه، وإنَّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها"1.
ففي الزّنا حقّ عامّ هو حقّ الله، والغيبة فيها حقّ عام وحقّ خاصّ، فالله لا يسامح في حقوق النّاس إلَّا من يسامحه النَّاس.
{وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات: 12] فمسألة الغيبة هي من الممنوعات الإسلاميّة، إلَّا في مقام النصيحة في زواج أو شركة، فلو كنت تعرف أنَّ هناك عيباً فيمن يتقدَّم للزّواج بها، فانصحه، لأنّ مصلحة النصيحة هنا أهمّ من مفسدة الغيبة، أمّا عندما تكون مظلوماً وتريد أن تتحدَّث عن ظالمك بسوء، فتحدّث في حدود ما ظلمك به {لَّا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ}[النِّساء: 148]. أمَّا عندما يكون العيب الَّذي يخفيه الإنسان عيباً يهدِّد مصلحة الأمَّة، كما لو اطَّلعت مثلاً على جاسوسٍ للأعداء، فهنا يجب عليك أن تغتابه.
*من كتاب "النَّدوة"، ج2.
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 259.