يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد مخاطباً رسوله محمّداً (ص)، ومخاطباً كلّ المؤمنين وكلّ العاملين في خطِّ الإسلام من خلال خطابه لرسوله: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيم}[النساء: 105 ـــ 107].
هذه الآيات، هي من الآيات التي أراد الله سبحانه وتعالى من خلالها أن يركّز في المجتمع الإسلاميّ كلّه أساساً من أُسس العدالة الّتي جعلها الله للنّاس جميعاً، فليس هناك في كلّ ما يختلف النَّاس فيه تمييز في العدالة بين شخصٍ وآخر، فأنتَ لا بدّ لك أن تعدل حتّى مع الكافر إذا كان له حقّ عندك، فليس لك أن تضيّع على الكافر حقّه إذا جعل الله له الحقّ، وليس لكَ أن تضيّع الحقّ على عدوّك إذا كان له عليك حقّ، كن الإنسان الذي يحكم بالحقّ لأنّك تلتزم الكتاب الذي أنزله الله بالحقّ، وإذا أردت أن تحكم بين النَّاس في ما يختلفون فيه أمامك، وكنتَ في موقع الحكم، فعليك أن تحكم بما أراك الله من خلال فهمك للحقّ، وسيسألك الله غداً على أيّ أساس حكمت، وعلى أيّ أساس عرفتَ أنَّ الحقّ مع هذا، وأنّ الحقَّ ليس مع هذا.
وفي جميع الأحوال، لا يجوز لك أن تكون مدافعاً عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله، والَّذين خانوا أماناتهم وخانوا عهودهم وخانوا الناس من حولهم، ليس لكَ ذلك، لأنَّ الله يقول: {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيم}، لا تكن مدافعاً عن الخائنين حتّى لو كان الخائن أباك أو ولدك أو من عائلتك أو من بلدك أو من طائفتك، لأنَّ المسألة ليست مسألة الأشخاص في ما يتميَّزون به من قربهم إليك ومن بعدهم عنك، ولكنَّ المسألة هي مسألة قرب الحقّ إلى موقفك وبُعد الباطل عن موقفك، لأنَّ الحقَّ أقرب إليك من كلِّ إنسان، {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللهَ}، إذا صدرت عنك بادرة تعاطف مع الخائنين، أو صدرت عنك بادرة تأييد أو مساعدة للخائنين أو حكم لمصلحة الخائنين، فاستغفر الله إذا أردت أن تتراجع عن خطّك وعن مبادرتك، فإنَّ الله كان غفوراً رحيماً، سيغفر الله لكَ ذنبك إذا عرف منك صدق النيّة، وسيرحم الله موقفك إذا عرف أنّك ستتراجع عنه.
ثمّ بعد ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ}، لا تجادل عن هؤلاء الَّذين يخونون أنفسهم عندما يسيرون في خطِّ الخيانة وفي خطّ المعصية وفي خطّ الجريمة، لا تدافع عنهم حتّى لو كانوا جماعتك وعشيرتك أو أولادك أو إخوانك، لا تجادل عنهم، لا تقف مع الخائنين في موقف دفاع عندما يتحرّكون في الحياة من موقع الخيانة لأنفسهم إذا عملوا بمعصية الله، وإذا عملوا بالبغي على عباد الله {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيم}، لأنَّ الله لا يحبّ الخائنين، ولا يحبّ الآثمين، لا يحبّ الَّذين يخونون أنفسهم ويخونون الحياة من حولهم، ويخونون الله سبحانه وتعالى في جميع مجالات حياتهم.
إنَّ الله لا يحبّ الآثمين الذين يرتكبون المحرَّمات، فيتحرّكون في حياتهم على أساس أن يأخذوا بكلّ ما حرَّم الله ويتركوا كلّ ما أوجب الله، هبهم من الأغنياء، هبهم من أصحاب الوجاهة، هبهم من السياسيّين، إذا أردت أن تجادل عن شخص فكِّر: هل هو في خطِّ الله يسير، أم في خطِّ الشَّيطان؟ تلك هي قصّتك كمسلم، إذا أردت أن تدافع عن شخص بأيّ أسلوب من أساليب الدّفاع، وإذا أردت أن تجادل عن شخص بأيّ أسلوب من أساليب الجدال.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".