الرّحمة الزوجيَّة في الإسلام تفرض على الإنسان أن ينطلق مع زوجه في أن يرحم كلّ
نقاط ضعفه، وأن يرحم كلّ ظروفه، وأن يرحم كلّ ذهنيّته، وبذلك يكون التّكامل.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الرّوم: 21].
هذان هما العنصران اللّذان تقوم عليهما الحياة الزوجية التي تمنح الإنسان السكينة
والطمأنينة.
فالمودّة، هي التّعبير عن المحبّة، عن العاطفة، عن الحنان، وعن كلّ شيء يتّصل بما
ينفتحُ فيه إنسانٌ على إنسانٍ ليأخذ منه وليعطيه. وهذه المودّة هي التي يمكن أن
تجعل للحياة الزوجية حيويّتها، وبها يتحوَّل هذا التنوُّع الإنساني إلى وحدة
إنسانية..
ثمّ هناك الرّحمة، والرّحمة ليست مجرّد كلمةٍ يقدِّمها إنسانٌ إلى إنسانٍ آخر؛
الرحمة هي أن يرحم كلّ واحدٍ الآخر؛ أن يرحمَ عقلَه وظروفه، أن يرحمَ قلقه النَّفسيّ،
ويرحم كلّ ما يحيط به...
لذلك، أن يرحم الزّوجُ زوجته، أو ترحم الزّوجةُ زوجها، لا بدَّ من أن يفكِّر كلّ
واحدٍ منهما في أن يفهم الآخر قبل أن ينظرَ أحدُهما إلى الآخر في طبيعة تكوينه من
الناحية الجماليّة، وفي طبيعة تكوين حياته من الناحية الماديّة، أو الاجتماعيّة،
عليه أن يفكّر ما هو عقله، فإذا فهمتِ الزّوجةُ عقلَ زوجها، فإنّها تستطيع أن تجعل
عقلها يتكاملُ مع عقله، وإذا فهم الزّوجُ عقلَ زوجته، فإنَّه يستطيع أن يجعل عقلَه
يتكامل مع عقلها، لأنَّ الانسجام لا بدَّ أن يسبقه الفهم.
لذلك، لا تحدِّقوا ـــ عندما تبدأون أيّ حياةٍ زوجية ـــ في أشكالِ بعضكم بعضاً،
وإنْ كان لكم الحقّ في ذلك، ولكن حدِّقوا قبل كلّ شيء، وقبل أن تبدأ الحياة
الزوجيّة، بأنّه لا بدَّ أن يرحم أحدكما الآخر ليفهم الآخر، وليفهم ظروفه العقليّة
والنفسيّة، فيتعامل معه على هذا الأساس.
ولكن، نجد أنّ بعض الأزواج رجالاً ونساءً ـــ وكلمة الزّوج من الكلمات التي تُطلق
على الرّجل والمرأة، يقال فلانٌ زوجُ فلانة، وفلانةٌ زوج فلان ـــ مثلاً قد يكون
لأحدِ الزّوجين ظروف صحيّة معيّنة، أو ظروفٌ عائليّة معيّنة، قد يكون له ارتباطاتٌ
عائلية، أو مشاكل ظرفية بيئية معينة، هنا قد يطلب أحدُ الزوجين من الزوج الآخر ألّا
يذهب إلى أهله، أن يقاطع أهله، أو أنْ يتمرَّد على هذا الجانب من ظروفه، أو ذاك..
هذه قسوةٌ، هذه وحشيّةٌ، لأنّ الإنسان الآخر إنسانٌ يعيش في ضغط ظروفه، فعلينا ألّا
نزيده ضغطاً على ضغط، بل أن نتعامل معه من خلال أنّه إنسانٌ يعيشُ في دائرة الضّغوط،
ونتعاون معه على أساس أن نخفِّف من هذه الضّغوط وتأثيرها في حياته وحياتنا.
أن يرحمَ إنسانٌ إنساناً آخر، أن يرحم عقلَه وظروفه ونقاط ضعفه، ما مِنّا إلّا وله
نقاط ضعف ونقاط قوّة، ليس هناك إنسانٌ ضعيفٌ بالمطلق، وليس هناك إنسانٌ قويٌّ
بالمطلق.. في كلّ إنسانٍ شيءٌ من الضّعف، قد يكون قوّةً عند الآخر، وفي كلّ إنسانٍ
منّا شيءٌ من القوّة، قد يكون ضعفاً في الآخر.
لذلك، الرّحمةُ الزوجية في الإسلام تفرض على الإنسان أن ينطلق مع زوجه، في أن يرحم
كلّ نقاط ضعفه، أن يرحم ذهنيَّته، وبذلك يكون التكامل، أمّا أن يفكِّر الرّجل في أن
تكون المرأة خاضعةً لكلّ ظروفه وحياته، من دون أنْ يكون لها أيّ حقٍّ في أن يكون
لها حياتها وخصوصيَّتها، أو أن تفكِّر المرأة في أن يكون الرّجل على صورة ظروفها،
هذا ظلمٌ من كلّ إنسانٍ للإنسان الآخر.
* من كتاب "للإنسان والحياة".