[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء الصَّباح والمساء:]
"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنا في يَوْمِنَا هَذا وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ وَفِي جَمِيعِ أيَّامِنَا... للأمْرِ بِالمَعْروفِ وَالنَّهْي عَنِ المنْكَرِ...".
اللَّهمَّ إنّك أردت للحياة في حركة الإنسان، أن يكون المعروف عنوانها الكبير في كلّ مفرداتها، على مستوى الكلمة والفعل والعلاقة والموقع والموقف، وعرَّفتنا أنَّ المعروف هو ما أمرت به، وإذا كان أمرك في كلّ مواقعه منطلقاً من مصالح عبادك في ما يعملون، فإنَّ سرَّ المعروف في الحياة يمثِّل مصلحة الإنسان فيها، وبذلك يكون الانحراف عنه انحرافاً عن خطِّ الصَّلاح في حياة الإنسان، ما قد يؤدِّي إلى الخلل في أوضاعها، والسقوط في مشاكلها، والوقوع تحت تأثير الشرّ الكبير، من خلال وصول الأشرار إلى قيادة الحياة.
وأردت - يا ربّ - للحياة إلى جانب ذلك، أن تبتعد عن عنوان المنكر، بما هو عنوانٌ للمفاسد التي تسيء إلى سلام الإنسان في نفسه ومجتمعه، وإلى مصالحه الحيويَّة، كما تسيء إلى الحياة في استقرارها، على أساس الاهتزازات النفسيَّة والعمليَّة التي يثيرها المنكر في وجودها على مستوى الواقع والامتداد، الأمر الذي يحوّل الحياة إلى مشكلة متنوّعة الأبعاد، بحيث يعيش الإنسان في داخلها في مشكلةٍ متحركةٍ دائمةٍ.
وبذلك، يكون الانفتاح على المنكر انفتاحاً على خطِّ الفساد في الإنسان، بحيث يؤدِّي به ذلك إلى الابتعاد عن مواقع السموّ في روحه، والخير في حركته، والسعادة في وجوده، ويجعل الواقع خاضعاً للّذين ينـزلون بالإنسان إلى الدّرك الأسفل من العذاب في مواقع الهاوية.
اللّهمَّ اجعلني ممن يأمر بالمعروف إذا ترك النَّاس الأخذ به، وينهى عن المنكر إذا أخذ النَّاس به، لأكون من الذين يحرسون الحياة من المجرمين والمنحرفين الذين يسيئون إلى طهارتها وسلامتها وقوّتها وامتدادها نحو مواقع الإشراق والسموّ والإبداع.
ووفِّقني لأن أحقِّق هذا المنهج الحركي في حياتي بالقوّة، إذا كانت القوّة تمثّل واقع طاقتي في حركة المسؤوليَّة، وبالكلمة، إذا لم تكن القوَّة الماديَّة أمراً واقعياً لديّ، وبالقلب الرافض للمنكر، المنفتح على المعروف، بحيث يتمثّل ذلك في نظرات عينيّ، وملامح وجهي، ومواقع وجودي، وطريقتي في المواجهة للآخرين العاملين بالمنكر، التَّاركين للمعروف.
* من كتاب "آفاق الروح"، ج 1.