في الرّواية عن الإمام جعفر الصَّادق (ع): "إنَّ رجلاً من خثعم جاء إلى النبيِّ (ص)، فقال: أيُّ الأعمال أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ؟ فقال: الشِّرك بالله. قال: ثمَّ ماذا؟ قال: قطيعة الرَّحم. قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنَّهي عن المعروف"1 ، أن تأمر بالسرقة، وتأمر بالزنا، وتأمر بالغيبة والنَّميمة، وتأمر بالظلم وما إلى ذلك، وتنهى عن الصَّلاة والصَّوم والزكاة وما إلى ذلك.
فمن أبغض الأعمال إلى الله [بعد الشّرك] قطيعة الرَّحم، لأنها المعصية الكبيرة التي تخالف ما أراده الله للخليَّة الإنسانيَّة الأولى من تواصل وترابط، وهي علاقة الإنسان بأقربائه؛ بأبيه وأمّه، بإخوانه وأخواته، بأعمامه وأخواله، وما إلى ذلك من طبقات القرابة. إذ أراد الله لها أن يرتبط بعضها ببعض، كي تخلق خليّة اجتماعيّة أولى تنفتح على العلاقات الحميمة التي يمكن أن تحقّق الكثير من النتائج الطيّبة في علاقة الإنسان بالإنسان، ويمكن أن تمثّل دورة تدريبيّة لعلاقات أخرى قد تتجاوز الرَّحم إلى غيرها من العلاقات الاجتماعيَّة أو ما إلى ذلك، والتي تمتدّ في تجربتها الأولى إلى العلاقات الاجتماعيَّة المتحرّكة في الواقع الإنساني العامّ. وقد ندَّد الله بقطيعة الرَّحم، وذلك قوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[الرّعد: 25].
أمَّا تأثير قطيعة الرحم في الجانب الإيماني، واقتراب قاطع الرحم من الكفر، فباعتبار أنَّ هذا الإنسان يتنكّر لكلِّ العلاقات التي توحي بضرورة التَّواصل مع رحمه، لتتحوَّل المسألة عنده إلى تقاطع من خلال حالة نفسيَّة حاقدة وحشيَّة. فهذا الحقد النفسي الَّذي يختزنه قاطع الرَّحم، يدلّ على البعد عن الله سبحانه وتعالى، فيما يوصي به من رعاية الجوانب العاطفيَّة الإنسانيَّة في علاقة الأرحام بعضها ببعض، لأنها تمثّل الدورة التدريبيَّة الأولى في التواصل الإنساني الذي ينتقل من خلية اجتماعية إلى خلية اجتماعية أخرى، فإذا انطلق الإنسان بالقطيعة هنا، فربما يكون هذا خطاً للقطيعة في الجوانب الأخرى، أي قطيعة مع المؤمنين، وقطيعة مع الناس الذين بينه وبينهم صداقة أو ما إلى ذلك.
أمَّا الأمر بالمنكر والنَهي عن المعروف، فيمثِّل العمل الذي يصدُّ به فاعله النَّاس عن سبيل الله، فيبغيها عوجاً، ويتحرَّك في خطِّ الكفر في أمره بالمنكر الَّذي نهى الله عنه، وفي نهيه عن المعروف الذي أراد الله الأخذ به، فهو يقف ضدّ حركة الأنبياء، لأنَّ الله أراد للأنبياء أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، ولأنَّ الله سبحانه وتعالى اعتبر هذا خطّاً للأمّة كلّها، فقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}[آل عمران: 104].
ولذلك، فإنَّ الإنسان الذي يختار الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، هو الإنسان الَّذي يقف ضدّ حركة الأنبياء وحركة الرّسالات. وهذا ما يتمثّل به الكفر في خطّ الدّعوة إلى البعد عن الشَّريعة، وهذا ما نلاحظه في الكثيرين الذين يتنكّرون لتطبيق الشريعة الإسلاميَّة، وينهون الناس عن تطبيقها، ويدعون إلى التمرّد على الله سبحانه وتعالى، كما لو لم يكن لديهم أيّ علاقة بالإيمان، ما يجعل عملهم هذا من أصول الكفر وأركانه بشكلٍ واضح جليّ.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 18.
[1]الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 290.