[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء الصَّباح والمساء:]
"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أيْدَينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلنَا، وَمِنْ جَمِيعِ نَوَاحِينَا، حِفْظاً عَاصِماً مِنْ مَعْصِيَتِكَ، هَادِياً إلى طَاعَتِكَ، مُسْتَعْمِلاً لِمَحَبَّتِكَ".
يا ربّ، أنتَ وليّ الحياة التي تضجّ في أجسادنا، والقوَّة التي ترتكز عليها حركتنا، والصحَّة التي ترتاح فيها أوضاعنا، والأمن الَّذي يسلم فيه وجودنا، لأنّك وليّ الوجود كلّه، والمهيمن على الأمر كلّه.
اللَّهمَّ امنحني الحفظ في كلِّ نواحي الحياة من كلِّ الأخطار، والحماية من كلِّ الأسواء، حتى أنعم بحياتي في دعة وراحة ورخاء وصحة وعافية. ولكني- يا ربّ- لا أريد هذا الحفظ ذاتياً يتحرَّك في وجودي من أجل الذات التي تنفتح على اللَّهو والعبث، وتتمرَّد على خطِّ طاعتك، وتلتقي بمواقع معصيتك، في نداء الغريزة المحموم نحو الحرام، وحركة الجسد في ساحات اللذَّة، واندفاع الذَّات نحو الانحراف عن الخطِّ المستقيم، لأنَّ مثل هذا الحفظ الباحث عن لذَّته، المستغرق في شهوته، التَّائه عن طريقه، المنفتح على دنياه بعيداً من آخرته، لا يمنح الإنسان السلام الروحي عندك، ولا يحقِّق الأمن العملي في رحاب يوم القيامة، ولا يدخل صاحبه في جنَّتك، وبذلك يكون حفظاً يؤدِّي إلى الهلاك الدائم.
ولكنّي أريد حفظاً روحيّاً يمتدُّ في عقلي وروحي وجسدي، فيتحوَّل إلى إحساسٍ متحرّك بالرّقابة الدَّائمة لكلِّ كلمةٍ أو حركةٍ أو علاقةٍ أو موقف أو موقعٍ، ليكون حمايةً من معصيتك في ذلك كلِّه، فيعصمها من التمرّد على أوامرك ونواهيك، وهدايةً إلى طاعتك، فتكون القوّة حركةً في الالتزام، والصحَّة انفتاحاً على رضاك، واستعمالاً لكلّ ما يقربني من رضوانك، ويمنحني محبتك، في ما أنطلق به من السير على الخطّ المستقيم، ليجتمع لي من ذلك سلام الدنيا في طاعتك، وسلام الآخرة في جنَّتك ورضوانك.
اجعلني يا ربّ أحبّ الحياة في رضاك، ولا أنطلق بها في سخطك.
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.