[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق:]
اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وحَلِّني بحِلْيَةِ الصّالِحِينَ،
وأَلْبِسْني زينَةَ الْمُتَّقِينَ... في إفشاءِ الْعارِفَةِ، وَستْرِ العائِبَةِ".
يا ربّ، إنّ هناك الكثير من السلبيّات في حياة النّاس من حولي، من العيوب الجسديّة
والأخلاقيّة والسلوكيّة والنسبيّة، ونحو ذلك، مما يخفى على النّاس الآخرين أمره،
لأنّهم يجهلون مصادره وموارده، باعتبار أنّها من الخفايا الّتي قد تغيب عن
النّاظرين وتخفى على العارفين، كما أنَّ هناك الكثير من الإيجابيّات في حياة البعض
منهم من الفضائل الأخلاقيَّة، والمزايا الذاتيّة، والسّلوك العمليّ الخيّر الجيّد
الّذي يتميَّز به هؤلاء، في ما يتميَّز به النّاس من المحاسن والمكارم.
اللّهمّ اجعلني ممّن يستر عيوب النَّاس ونقاط ضعفهم العامَّة والخاصَّة، فلا يذكرهم
بها إذا اطّلع عليها مصادفةً من خلال الظروف الخاصّة التي منحته فرصة معرفتها، في
الوقت الّذي لم تحصل هذه المعرفة للآخرين، لأنَّ ذلك هو السّبيل للتّعبير عن احترام
الإنسان المؤمن لأخيه المؤمن في إيمانه وإنسانيّته، حتى لا يسقط قدره، ولا يسيء إلى
موقعه، ولا يفضح أسراره في عيوبه الخفيّة، بل يبادر - من موقع النّصيحة - إلى أن
يتحدَّث معه عنها بطريقة سرّية، من أجل مساعدته على تصحيح نفسه، من خلال تقويم
اعوجاجه الأخلاقيّ والسّلوكيّ، ثم يتركه لنفسه ليتحمّل مسؤوليّته أمام الله، من دون
أن يجعل للقضايا الأهميّة غير الحقيقيَّة في الحكم، بخطورة ما ليس له هذه الدّرجة
من الخطر.
إلّا إذا كان هذا الإنسان من المفسدين في الأرض، المعتدين على الناس، والمتحركين في
خطّ الدّعوة إلى الكفر والظّلم والضّلال، والمنطلقين في مخطّطات التجبّر والاستكبار
والاستعلاء على الناس، بحيث كان موقعه وخطّه ونهجه ومخطَّطاته السرّية خطراً على
الإسلام والمسلمين، أو كان من الضالّين الذين قد يكون بقاؤهم في الدائرة الخفيّة
مؤدّياً إلى الاستمرار في الضّلال، بينما يكون الإعلان عنهم موجباً لخروجهم من
الضّلال إلى الهدى، من خلال العوامل المؤدّية إلى ذلك نفسياً واجتماعياً.
إنّني، في مثل هذه الحال، وأمام هذه النّماذج، قد أجد المبرّر الشّرعيّ والإنسانيّ،
على أساس المصلحة الإنسانيّة العامّة لكشف الخفايا التي تتمثل في واقع هؤلاء، وفضح
الأسرار التي تعيش في ذواتهم ومخطّطاتهم وعلاقاتهم ومواقعهم، من أجل حماية الحياة
والدّين والإنسان.
واجعلني - يا ربّ - أذكر بالخير كلّ الّذين يعيشون روحيّة الخير وقيمته وخططه،
ويتحركون في اتجاه الارتفاع بالحياة إلى المستوى الرّفيع الذي يجعلها قريبةً إلى
الله، من خلال ما يتميّزون به من الفضائل والمكارم ومحاسن الصّفات التي تمكّنهم من
القيام بالمسؤوليّة على أفضل المستويات، ليرفعهم النّاس بذلك إلى الدّرجات العلى في
الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ الذي يشدّهم إليه في موقع المحبّة والاحترام، وينتفع
بهم في كلّ مجالات الخير والعدل والإحسان.
*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".