[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء الصَّباح والمساء:]
"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنا في يَوْمِنَا هَذا وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ وَفِي جَمِيعِ أيَّامِنَا، لاسْتعْمَالِ الخَيْرِ، وَهِجْرانِ الشرِّ...".
يا ربّ، اجعلني من الذين يخطّطون للزمن في حركة العمر الذي يسيرون من خلاله إلى ما في الدار الآخرة، ويتحركون في داخله على قاعدة المسؤوليَّة في ما يفعلون أو يتركون، أو في ما يتَّخذونه من مواقع، أو يركّزونه من مواقف، حتى يكون الزَّمن في بداياته - ليلاً أو نهاراً - خاضعاً لكلِّ العناوين الكبرى التي أردت للحياة الإنسانيَّة أن تخضع لها في كلِّ مفرداتها الجزئية، فينطلق كلّ عمل، وتنطلق كلّ كلمة أو أيّ علاقةٍ، بعيداً من الانفعال أو السطحية التي يكون فيها الإنسان ريشةً في مهبّ رياح النفس الأمّارة بالسوء، أو خشبةً في مجرى التيَّار المجنون، لا يملك أن يريد أو لا يريد.
اللَّهمَّ وفِّقني لأن أكون في يومي هذا أو ليلتي هذه، وفي كلِّ أيامي التي أستقبلها في حركة عمري، ممّن ينفتح على الحياة بإسلامه، لتكون كلُّ لحظة من لحظات الزمن مملوءةً بقيمةٍ روحيَّةٍ وعملية من قيم الإسلام، في ما تريد لنا أن نعمله أو أن نتركه، ليكون الزمن مسلماً في ما يحمله من معنى الإسلام المتحرك في وجودي السَّائر إليك، ولأكون الإنسان الكادح إليك في جهدي وجهادي لألاقيه لديك.
اللَّهمَّ اجعل الخير كلّ حركة حياتي مما يصدر عني من قول أو فعل، وما أتَخذه من موقعٍ أو موقفٍ أو علاقةٍ، في ما يتَّصل بالإنسان وبالحياة، من خلال المنهج الذي أردت للإنسان أن يتبعه في كتابك وسنَّة نبيِّك، في إيجابيات الواقع المتحرك في إرادته المنفتحة على الصَّلاح والإصلاح.
وأبِعد الشرَّ عن كلِّ أوضاعي، ووفِّقني لهجرانه، حتى لا يصدر عنّي في الدَّاخل من نفسي في ما أفكِّر فيه أو أنويه أو أخطّط له، وفي الخارج منها في ما أتكلَّم به أو أعمله أو أوجّه الواقع إليه، لأنني أريد لنفسي من خلال إرادتك أن أكون الإنسان الرافض لكلّ السلبيات العملية التي تزيد الحياة خللاً وتملأها فساداً وتؤدّي بها وبالإنسان فيها إلى السقوط والهلاك.
ووفِّقني، يا ربّ، لوعي الخير في مضمونه الفكري والعملي، ولوعي الشرّ في معانيه ومفرداته، حتى لا تختلط الأمور عليّ في ما آخذ به أو أدعه، فأترك الخير من خلال ما يخيّل إليَّ أنه الشرّ، وأفعل الشرَّ من خلال ما أتوهَّم أنّه الخير. فقد تكون مشكلة الكثيرين من الناس المخلصين لك، أنّهم لا يملكون وضوح الرؤية للأشياء، ولا يميزون في التصوّر بين المفاهيم، فينحرفون من حيث يعتقدون أنّهم يستقيمون في خطِّ السير، ويضلّون في المواقع التي يتوهّمون أنّها مواقع الهدى.
اللَّهمَّ إنني أعرف - بإيماني - أنَّ الخير هو ما أمرت به، وأنّ الشرَّ هو ما نهيت عنه، فاهدِني إلى الطَّريق الذي أعرف فيه مواقع أمرك ونهيك في مواقع الخير والشّرّ، في رضاك وسخطك، واجعلني من أهل الخير، ولا تجعلني من أهل الشّرّ، في الوعي الفكري والممارسة العمليَّة.
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.