كان المسجد الأقصى، ولا يزال، وسيبقى عنواناً أساسياً من عناوين الصراع بين المسلمين واليهود الصهاينة؛ فهو قبلة المسلمين الأولى.. القبلة التي اتّجه إليها النبي(ص) في صلاته أكثر ممّا اتّجه إلى الكعبة الشريفة.
وهو الذي أخذ اسمه من تسمية الله عزّ وجلّ: ﴿الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، فرسخ بذلك في التاريخ والتراث والوجدان والوعي والعقيدة، رسوخ القرآن في حياة الإنسان المسلم.
وهو مسرى النبي(ص)، ومحلّ الاجتماع التاريخي الفريد للأنبياء بنبيّنا محمد(ص)، وصلاتهم خلفه تلك الصلاة العظيمة التي لم تتكرّر في التاريخ.
ولأجل موقعيته هذه يسعى اليهود دائماً لضربه؛ مادّياً، من خلال أمور كثيرة أهمها ما يقومون به من حفرياتٍ تحته تهدّد وجوده؛ ومعنوياً، بضرب موقعيته لدى المسلمين بأساليب متعدّدة، منها تحويله من عنوان صراع بين المسلمين واليهود، إلى عنوانٍ للصراع بين المسلمين أنفسهم!
وآخر هذه المحاولات، ولن تكون الأخيرة، جعله مادّة إضافية للخلاف المصطنع بين السنّة والشيعة، باتّهام الشيعة زوراً بأنّهم ينكرون وجوده في الأرض، وأنّه إنّما يوجد في السماء؛ وأنّه مسجدٌ كسائر المساجد لا يمثّل عنواناً للقداسة لديهم، إلى ما هنالك من بهتانٍ أوهن من بيت العنكبوت.
ونحن في هذا الكتاب سوف نرجع إلى أمّهات كتب الشيعة ، إلى علمائهم الكبار، إلى مفسّريهم وفقهائهم، على مرّ تاريخهم، لنثبت بما لا يدع مجالاً لأيّ تشكيك زيفَ هذه الاتّهامات، وصدق الشيعة في خيارهم بتبنّي الأقصى درّة القدس عنواناً للصراع.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذا الكتاب هو تحقيقٌ لفكرة مباركة خطرت لسيدنا المجاهد سماحة آية الله العظمى العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله ؛ إذ رأى سماحته، نتيجة متابعته المستمرّة والدقيقة لقضايا الأمّة، أنّ ثمّة خطراً داهماً من هذه الناحية يشتدُّ في هذه الفترة على المسجد الأقصى الشريف، فأشار عليَّ سماحته ـ متفضّلاً ـ أن أعالج هذا الموضوع بما هو حقّه، قطعاً لدابر الفتنة، وتجليةً للحقيقة كما هي ناصعة لا لبس فيها.