أخي حسْبُ دُنْيايَ أنَّ الشُّعَاعَ
يـرفُّ عليها رفيـفَ الضُّحَى
وأنَّك ـ في أفْقِها ـ بسْمةٌ
تُزغْـردُ.. للْمَوعِـدِ المُجْتَنـى
ورَوْعَةُ فَنٍّ ـ يطوفُ الخيالُ
على جانِبَيْهِ ـ نَقِيَّ الرُّؤى
ونبْعةُ نورٍ يمُوجُ الرَّبيعُ
على صفْحَتَيْها نَدِيَّ الخُطى
وثَوْرةُ فِكْرٍ ـ يزُقُّ الحياةَ
ودَاعةَ وحْيٍ ـ يهُزُّ الذّرى
أخي، حسْبُ دُنْيايَ، أنّ الرّبيعَ
ولُبْنانَ في الموْعِدِ المنْتظَرْ
أفاقا.. على حُلُمٍ مُورقٍ..
تنفَّس في أُغْنياتِ الزَّهَرْ
ومرَّ يُحدِّقُ بالأُمسياتِ
تواثَبُ في جنباتِ النَّهَرْ
لتُبْدِعَ منهُ حديثاً يُريقُ
على دهشةِ اللَّيلِ وحْيَ السَّمَرْ
وطافَ على الرَّبواتِ العذَارى
يُفَتِّشُ عن صبَواتِ السَّحَرْ
ويغْسِلُ أطْرافَهَا بالعَبِي
ـرِ ينْهلُّ بالأملِ المُزْدهرْ
وأنّك في خاطرِ الأُغنياتِ
تلوّنُ بالنّورِ هذي الصُّوَرْ
وتستلُّ منْها انطلاقَ الحياةِ
على خفقةٍ منْ ربيعِ الذِّكَرْ
فيهْتزُّ بالفنِّ أفْقُ الجمالِ
ويمتدُّ بالنُّورِ وحْيُ الوَتَرْ
أخي حسْبُ دُنيايَ أنّي أراكَ
وصحْبكَ في خفقاتِ العبِيرْ
تسيرونَ خلفَ انطلاقِ الضُّحى
إلى عالمٍ أرْيَحيِّ الضَّميرْ
يُصفِّقُ للفجْرِ.. في زحْمةِ ال
ـصِّراعِ.. وفي ظلماتِ المصيرْ
تواثَبَ فيها انطلاقُ المسيرْ
ةِ.. تخفقُ في رعشَاتِ الحريرْ
تُريـدونَ أن يتهـاوى الضُّحى
على خفَقَاتِ الغدِ المُسْتنيرْ
وأن يُلْهِبَ الرَّكْبُ شَوْطَ الحيـاةِ
بترْنيمَـةٍ من نِـداءِ السَّعيرْ
وأنْ ينْبعَ الوحيُ في أمَّةٍ
تطلَّعُ شوْقاً لفجْرٍ مُنيرْ
ليصفَعَ بالنُّورِ وجْهَ الدُّجى...
ويخْنُقَ بالفِكْرِ جهْلَ النَّذيرْ
فيُشْرقُ بالدِّين مجْدُ الضّياءِ..
ويُورِقُ بالحُبِّ وحْيُ العُصُورْ
أخي لفَّنَا الَّليلُ في وحْشةِ ال
ـطّريـقِ.. بأسمـالِـهِ البـاليَهْ
وبِتـْنـا بمذْأبَـةٍ.. تلتقـي
بأعماقِها القُوَّةُ الضَّاريهْ
وتعْوي فتَرْتَعِدُ الأغْنياتُ
وتخنُقُها الظُّلمةُ القاسِيَهْ
ويُرْعِبُنا في ظَلامِ الحُقُولِ
نَقيقُ الضَّفادعِ في السَّاقيهْ
كَأنْ لم يَكُنْ للضُّحَى موعِدٌ
بأرواحِنا في الذُّرى السَّاميَهْ
ولمْ يتدفَّقْ هديرُ الجهادِ
بأيّامِنا الحُلْوةِ الماضِيَهْ
ولم يلمسِ الفجْرُ في وحْيِن
نقاءَ طبيعَتِنا الصّافيهْ
ولم يحمِلِ الدَّهرُ تاريخَنَ
حياةً: إلى الأُمَمِ الآتيهْ
حضَارتُنا هي سِرُّ الحياةِ
وسِرُّ انتَفاضَتِها الواعيهْ
وقُرآنُنا: نَبْعَةٌ حَيّةٌ
تدفَّقُ بالدُّرَرِ الغاليَهْ
وأبطالُنا: هلْ رأيْتَ الرّبي
ـعَ يمرَحُ في خُضْرةِ الرَّابيهْ
ليُبدِعَ منها اخْضرارَ المُنى
وروعةَ أحلامِهِ الغافيَهْ
تلفَّتْ، أَتَنْظُرُ كيف انطَوَتْ
صحائفُ أمْجادِنا الزّاهيهْ
وحدِّقْ، فنحنُ هُنا لا نَرَى
بِأُفْقِ الحياةِ سوى الزَّاويهْ
ولا نلْمحُ الدَّرْبَ إلا إذ
تدحْرَجَ في ظُلْمةِ الهَاويهْ
ويسْألُنا النَّاسُ: أينَ الطَّريقُ
وأينَ الرّسالةُ والدّاعيهْ
فنَزْوَرُّ عنهُم: ولا يسمعُونَ
سِوى أنَّنَا فئةٌ راقيَهْ
ترى أنَّها لم تَزَل للهُدى
وللخيْرِ ـ في عصْرِها ـ حاميَهْ
فماذا تُريدُونَ مِنَّا وقدْ
عَرَفْنا الرِّوايةَ والرَّاويهْ
ويَلتفتُونَ: وقدْ يَهْمِسونُ
دَعُونا من الحُجَجِ الواهِيهْ
فنحنُ نُريدُ الحياةَ انطلاقاً
مع الفَجْرِ.. لِلقِمَمِ العاليَهْ
ونبقى نلُفُّ ونبقى ندُورُ
ونحنُ نُفتِّشُ عنْ قافِيَهْ
ألا قُتِلَ الضَّعْفُ فينا فقدْ
أضَاعَ الرَّعيَّةَ والرَّاعيَهْ
* رسالة من لبنان إلى صديق في النّجف - ديوان "قصائد للإسلام
والحياة"