كم نحتاج اليوم إلى العبور، ليس من مكانٍ إلى آخر كما يفهم من الكلمة، وما أكثر المنافذ والمعابر الّتي يعبر منها النّاس هرباً من وحشيّة البعض وإرهابهم! إنما العبور بأنفسنا إلى آفاق الحرية والإخلاص لله تعالى، كي نحقّق الخلوص الفعليّ من سيطرة الأنانيّات والذاتيّات التي باتت تثقل الحياة بتداعياتها المدمِّرة.
التوجّه إلى الله تعالى بنيّات صادقة مخلصة، وبأعمال واعية ومدروسة، انسجاماً مع الحقّ والعدل والخير، يعني مدّ جسور الخلاص مما يعانيه الواقع اليوم الرّازح تحت وطأة الأزمات الأخلاقيّة والروحيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والفكريّة.
هذا التوجّه إلى الله تعالى، يعيد إلينا قوَّة الاندفاع إليه، بما يمثّل خطَّ الله تعالى في مواجهة شهوات النّفس ونزواتها، والعمل على إشباعها بالطريقة الطبيعيّة الّتي لا تترك أثراً سلبياً على الأوضاع والعلاقات بين النّاس، إذ نجد اليوم كثيراً من المشاكل جرّاء استخفاف البعض بالآثام، واستغراقهم في السّعي لتحقيق المكاسب والمصالح والحسابات الخاصّة على حساب المجتمع والمحيط من حولهم، هؤلاء الّذين التصقوا بالدّنيا ومظاهرها وبهارجها، فخنقوا الحياة بجشعهم وأطماعهم ونزواتهم، فيما المطلوب أن يجاهد الإنسان نفسه ويربّيها على ألا تكون أسيرة الأرض، بل أن تنطلق في آفاق الوجود متأمّلةً ذاكرةً شاكرةً حامدةً مبدعةً عاقلةً تجتذب إليها الخير وتنشره، وتدفع عنها الشّر وتواجه الباطل.
علينا أن نعي أنّ ملازمتنا المنحرفة لكلّ ما يحاصر إنسانيّتنا، يشكّل خطراً داهماً على حضورنا وتفاعلنا الحيويّ والمطلوب مع أصالة ديننا وقيمه ومفاهيمه، هذا الدّين الحنيف الذي يشدّنا دوماً إلى السموّ والنّضج والفعل الإيجابي والوعي والتعقّل الهادف، بينما نعمل نحن في المقابل على عرقلة دوره من خلال تغييبه عن ساحات الحياة، واللّجوء إلى تكريس الأهواء والحسابات الّتي تتعارض مع كلّ معنى وقيمة أصيلة.
عليك أيُّها الإنسان أن تعلم أنَّ الدّنيا ممرّ لك، وأنّها لا تبقى لك، فأنت عمَّا قليل مغادر منها إلى دار المقرّ، وهي لك بمقدار ما تعبر من سبيل الانحراف، إلى سبيل الخير والحقّ، وبما تمنح الحياة من خيرك وعقلك وروحك وإخلاصك وصدقك وأمانتك وتفكيرك. وفي الحديث عن إمام المتّقين عليّ(ع): "الدّنيا دار ممرّ، والآخرة دار مقرّ، فخذوا من ممركم لمقركم".
من منّا، يا ترى، يعير انتباهاً لمسيرة عبوره من متاع الدّنيا ومن الأهواء والمطامع، إلى رحابة الحياة بالعطاء ونشر السّلامة والخير والفضيلة والعدل مع النّفس والنّاس.
كلّ الحريّة والعزة والكرامة من خلال تحرّرنا من أطماعنا وأنانيّاتنا، والخلاص من حساباتنا الضيّقة، انطلاقاً من التفاعل الحيّ والهادف مع الآفاق الرّحبة للدّين. فهل من عبور ومعتبرين؟!
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها]