أصبحنا في زمنٍ خرج بعض أهله عن جادة الحقّ والصّواب، وأمعنوا في تطرّفهم وضلالاتهم وجهلهم ونفاقهم، بقتل الحياة وتلويث أجوائها، وبثّ التخلّف بين النّاس، يستعملون جهلهم وغيّهم من خلال نفاقٍ عالي المستوي لتمرير دعاياتهم وأكاذيبهم، ويستغلّون فراغ السَّاحة من قوَّة العلم والمعرفة، عبر سيطرة ذهنيَّة الرجعيَّة والتّقليد والتّقوقع، إذ تشكو السَّاحة من قلّة المتنوّرين، والقيادات الّتي تأخذ بيد النّاس إلى حقيقة ما هم عليه، وما ينبغي أن يكونوا عليه، وبعض النّاس ينجرّون بسطحيّتهم وقلّة وعيهم وخبرتهم، إلى أصوات هؤلاء المنافقين الّذين يخادعون الله، وما يخدعون إلا أنفسهم، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم.
المسؤوليّة ليست كلّها على هؤلاء – وإن كانوا آثمين – ولكنّ المسؤوليّة تقع أيضاً على المؤمنين، في أن يتحلّوا بالجرأة والوعي والمسؤولية، لجهة التّمييز بين أهل الحقّ وأهل الدّهاء والنّفاق، وبين صوت العقل والحكمة، وصوت الشّرذمة والفتنة، بين الصّوت الّذي يسعى إلى تغذية العقل والروح بالقيمة والمضمون، والصّوت الذي يسطّح العقول ويخنق الحرية ويسلب الإرادة ويمحق الإيمان.
على المؤمنين وعي دقّة المرحلة التي يمرّ بها عصرهم، وألا يكونوا ألعوبةً بيد الجهلة والمنافقين والدّهاة، وألا يكونوا امتداداً لأناسٍ عاشوا ويعيشون تحت تأثير ذهنيّة الخوارج الذين باعوا دينهم للشّيطان، وتآمروا على الإيمان والإسلام، وأحدثوا ما أحدثوا، ولا تزال إرهاصاتهم ظاهرة عمليّاً في واقعنا، عبر إجرام البعض وإرهابهم الجسديّ والفكريّ والمعنويّ.
ما علينا سوى أن نملأ السّاحة بالعلم والمعرفة الّتي تثمر عطاءً وإبداعاً وفكراً يقف أمام كلّ موجات التّضليل والنّفاق والفتن.
إنّ إيماننا وإسلامنا أمانة في أعناقنا، فلنسع كي نكون من جنود العقل والوعي، ولنواجه كلّ خارج عن الحقّ والصّواب والعدل في كلّ وقت وعصر..
ونستحضر في هذا المقام، ما قاله الشيخ مرتضى مطهري: "كلّما خلت السّاحة من العلم والمعرفة، أضحى المؤمنون الجهلة ألعوبةً بيد المنافقين المحنّكين، كما حدث ذلك للخوارج وأشباههم في مختلف العصور الإسلاميّة".
] من كتاب الإنسان والإيمان[.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.