مجموعة اللاءات الّتي يمكن أن يطلقها الفرد، ضدّ الواقع المأزوم والصّاخب بالتحدّيات الّذي يحاول سلبه إرادته، وجعله مجرّدَ تابعٍ لا يفقه ما يجري حوله، ومجرَّد مصفّقٍ يمشي خلف أيِّ شعارٍ أو جهة، هي ما تبرز مدى حضور شخصيّته ومواجهتها لهذه التحدّيات وتأكيدها ارتباطها الحيّ والفاعل مع أسس إسلامها لله تعالى، حيث كلّ الحرية والإرادة.
فالإسلام القائم على أصل التّوحيد، جاء بكلمة "لا" للشِّرك والظلاميَّة، قال "لا" لكلِّ الآلهة والأصنام الّتي ابتكرها الإنسان، وجعل يطوف حولها لا حول الله تعالى.
أراد الإسلام من كلمة "لا" أن تبقى مدوِّيةً عبر الزّمن، ترفض كلَّ أشكال الألوهيَّة الّتي يصطنعها الإنسان لنفسه، من تأليه المال والجاه والأشخاص، ووضعنا بالتّالي أمام مسؤوليَّة أن نكون أحراراً في دنيانا، وأن نمتلك الجرأة في قول "لا" في وجه الظّالمين والحاقدين، وممّن يحاولون إثارة الفتن والنِّزاعات بين المسلمين.
علّمنا الإسلام أنّ كلمة "لا" المقترنة بالحقّ والوعي، هي السّلاح لتأكيد المسؤوليّة في خطّ الله تعالى، في مواجهة خطّ أصحاب المصالح والأهواء والسّلطة والجاه، الّذين يحاولون سلب الحياة بريقها وحيويّتها، خدمةً لأطماعهم وأنانيّاتهم وتكبّرهم وجبروتهم.
علّمنا الإسلام أنَّ كلمة "لا" ليست مجرّد ردّ فعلٍ عابرة وانفعاليّة سرعان ما تنحني أمام الضّغوطات والإغراءات، بل هي كلمة موقف نابع من قناعة وإخلاص ووعي، تنطلق على الألسنة، ثم تتبلور عبر المواقف والسلوكيّات العمليّة الواقعيّة المستندة إلى التّخطيط والسّعي والعمل والحركة المثمرة الّتي تقف في وجه مشاريع الفاسدين والمنحرفين.
علّمنا الإسلام أنَّ كلمة "لا" لكلّ ما يصادر عقل الإنسان وكرامته وعزّته، هي السّبيل لخلق التربة الصّالحة لكلمة "نعم" للصّلاح والفلاح والعمل الصّالح والكلمة الطيّبة، وكلّ ما يجلب الاستقرار والأمان والسّعادة والمودّة والرّحمة بين الناس.
إنَّ كلمة "لا" وما يتبعها من مواقف، ليست شيئاً سلبيّاً، بقدر ما هي تصويب لحركة الإنسان ومواقفه وسلوكيّاته، للوصول إلى المرحلة الّتي يتخلّص فيها من المؤامرات والأهواء والأطماع والمصالح، وتغليب مصلحة النّاس العامّة، والسّعي للتعاون والتفاعل مع الآخرين على قاعدة البرّ والتقوى، خدمةً للحياة وهدف إصلاحها وتنميتها.
علّمنا الإسلام أن نقول "لا" للشّرك، و"نعم" للتّوحيد، "لا" للظّلم، و"نعم" للحقّ والعدل، "لا" للفتن والنّعرات والعصبيّات، و"نعم" للتعارف والتآخي والتعاون والوحدة، "لا" للأهواء والمصالح والأنانيّات، و"نعم" لبناء العلاقات بين الناس على قاعدة المحبّة والعطاء والبناء والتّنمية، "لا" للجهل والتخلّف، و"نعم" للوعي وإعمال العقل والإنتاج والإبداع بما ينسجم مع أصالة ديننا وإنسانيّتنا...
ونختم بما قاله المفكّر علي شريعتي: "الإسلام دينٌ تجلَّى للإنسانيّة في صورة "لا"، بها يبتدئ شعار التّوحيد، ومنها ينطلق الإسلام في مواجهة الشّرك، دين أصحاب المصالح والسّلطة والجاه".
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.