توالت الأحداث على العالم العربي والإسلامي منذ قرون، وصنعت الظّروف المتداخلة تلك الأحداث، راخيةً بظلالها على مجمل سيرة التّاريخ. ولكن من السنن التاريخيّة والطبيعيّة، أن ينتصر الحقّ ويظهر، ويزهق الباطل ويندثر؛ إنّها قاعدة نتلمّس مظاهرها، وخصوصاً عندما نقف ونستقرئ بوضوح وموضوعيّة ما جرى ويجري.
كانت بغداد عاصمة الخلافة الإسلاميّة شكلاً، إذ كان الخلفاء يمارسون تحت عباءتها الكثير من الممارسات المنحطّة، والتي قلّدهم فيها عامّة الناس، فانهارت الأخلاقيّات العامّة، وضعفت النفوس، وتقهقر الإيمان، وانفكّت عرى الوحدة بين المسلمين، وأصبحوا غرضاً يرمى من كلّ حدب وصوب، وانقضّ المغول التتار الهمج الرّعاع على حضارة الإسلام وهويّته، وعلى وجود المسلمين، واندفعوا إلى تكريس سياسة التجهيل والتخلف وسلب الرّوح المعنوية من المسلمين لإطالة حكمهم، فيما المسلمون نائمون في سبات العقل والقلب والشّعور والحركة، رضوا بالذلّ والاستضعاف، ولكن شاء الله تعالى أن يسطع نور الفيلسوف نصير الدّين الطوسي، الذي وعى خطورة المرحلة ودقّتها، وواجه خطر المغول بنشر العلوم والمعارف، واثقاً بأنّه بالعلم وحده يستيقظ النّاس من غفلتهم، وينتفضون على معاناتهم وواقعهم المأزوم، وهكذا كان.
من هنا، لا بدّ من التأمّل والعودة الجادّة إلى مواجهة كلّ أنواع استلاب العقل والمشاعر لصالح بقاء التسلّط على رقاب العباد، وتنفيذ إرادة الله في وجوب الوقوف بوجه الظالم، وتغيير الواقع المميت، وبعث الحياة في النّفوس المظلمة والعقول المغلقة، وممارسة فعل المسؤوليّة وفعل الإرادة والحريّة، في توجيه الطّاقات نحو التّغيير الّذي يعيد الكرامة والحضور والوجود والحياة إلى عروق المجتمع.
فهل نقف أمام أحداث التّاريخ اليوم للاستعبار؟ فكم نحتاج إلى استنهاض العزائم ولملمة الطاقات والإمكانات، ضمن مشروع وحدويّ إسلاميّ إيمانيّ رساليّ، ينسجم مع ذاته ومع غايات الرّسالة النّهائيّة، في صنع الإنسان المسؤول والواعي والمتحرّك على أساس ما أراده الله منه في الحياة من مواجهة وعطاء، ووقوف إلى جانب الحقّ، وسعي لإماتة الباطل.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.