قصّة تنبئنا عمّا وصلت إليه أحوال المجتمع اليوم من ترهّل وضعف في الوازع الديني والروحي والأخلاقي، حتى من البعض الذي استغلّ ويستغلّ الجو الديني كلّما سنحت له الفرصة، لينفّس عن رغباته الدفينة وأمراضه، بحيث يجد في الزيّ الديني وسيلة لتمرير ما يريد، وممارسة ما يبغي في الخفاء، مسيئاً بذلك إلى نفسه التي تسقط في كلّ الموازين والاعتبارات، وتخرج من حيز الإنسانية إلى حيّز آخر لا مفردة له في قواميس البشر، ومسيئاً إلى الرمزية والقيمة المفترض أن تمثلها العمامة.
ولكن القضيّة أن الزيّ يظل زياً، والمضمون الباطل للشخص شيء آخر. والسّؤال: كيف بمقدور البعض التعايش مع باطن فاسد مريض، وظاهر وديع أمام النّاس؟ إنها الشيطنة بكلّ أبعادها، عندما يتمثّل الإنسان دور الشيطان ولغته، ولكن سرعان ما يفتضح أمر هؤلاء، حيث باطنهم المريض لن يشفع لهم كثيراً لأداء أدوار باطلة، إذ من غير الطبيعيّ والمنطق أن يكون المرء مخادعاً ومنافقاً كالمنافقين طول العمر الّذين تحدّث عنهم القرآن الكريم {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}.
العمامة عندما تقدَّم للناس، لا بدّ من أن تعبّر بالفعل عن توافق الباطن مع السّلوك الظاهر، وعن الوعي والتقوى والخوف من الله تعالى والورع عن محارمه، وأن تكون النّموذج الحيّ في الواقع لكلّ قيم الدين ومضامينه الحضاريّة والرّاقية.
ليس صحيحاً ما يشاع أنّه لم يعد اليوم من دين، الدّين باق، ولكن ثمّة من يدّعون التديّن، وليسوا بمتديّنين فعلاً، ولا هم يعيشون الورع والتّقوى في سرّهم وعلانيتهم، ولا يوافق ظاهرهم باطنهم.
ومن المؤسف وجود عمائم كيفما اتّفق، وبلا ضوابط ومراقبة ومحاسبة، عمائم لا تعبّر عن إنسانيّة فضلاً عن تديّن، عمائم تحملها فئة تتاجر بدين الله، بدل أن تبذل جهدها في حماية المجتمع من السّقوط أكثر.
ويظلّ الأمل في وعي الناس، بأن بدركوا أنّ من يسقط في امتحان التخلّق بأخلاق الله، لا يمثّل إلا نفسه، ولا يسيء إلا إليها، على الرغم من الحسرة الكبرى على ما وصلت إليه الحال.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.