ماذا لو فُقِد الزّوج لفترة طويلة ولم يُعرَف عنه شيء؛ هل تكون الزّوجة مجبرةً على البقاء في حال الزّوجيَّة انتظاراً له، حتّى لو لم يكن هناك أيّ أثر يدلّ عليه، أم أنَّ لذلك أحكاماً أخرى؟!
في البداية، لا بدّ من تعريف المقصود بالمفقود في الاصطلاح الفقهيّ، وهو "من انقطعت أخباره عن أهله، وجُهِل مكان وجوده، سواء عُلمت حياتُه أو جهلت حياته أو موته...".
أمّا حكم الزّوجة في هذه الحالة، فيوضحه سماحة العلّامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض) بالقول:
"إذا فقد الزّوج بالنّحو المذكور... وصبرت زوجته على ما يفوتها من حقوق واجبة لها عليه، كالنّفقة، ولم تخش على نفسها الوقوع في الحرام، فرغبت في البقاء على زوجيّتها له، كان لها ذلك بدون إشكال، ولم تنفصم بفقده وعدم إنفاقه عرى العلاقة الزوجيّة بينهما، مهما طال الزّمان، ما لم تعلم وفاته".
أمّا في حال طالبت الزّوجة بالنّفقة، فإن "كان لزوجها مال يمكن الوصول إليه والإنفاق منه، أو أنفق عليها وليُّه أو من هو بحكمه ـ وهو أبوه أو جدّه لأبيه أو المفوَّض من قبله بالإنفـاق عليهـا ورعايـة أمورها ـ ولم تخش على نفسها الوقوع في الحرام، لزمها الاكتفاء بذلك والبقاء على زوجيَّتها له مهما طال الزّمن".
ويفصِّل سماحة المرجع فضل الله في حال لم تصبر الزّوجة على حاجتها الجنسيّة في غياب زوجها فترة طويلة، أو لم يكن عنده مال ينفَق منه عليها، فيرى أنّه يجوز لها في هذه الحالة رفع أمرها إلى الحاكم الشّرعيّ وطلب الطّلاق، "وبعد أن يتثبّت الحاكم من كونه مفقوداً بهذا النّحو، وبعد أن يثبت له عدم الإنفاق عليها، يسوَّغ له أن يستدعي وليّه ويأمره بطلاقها، فإن استجاب كان خيراً، وإلا أجبره على طلاقها، فإن لم يمكن إجباره، طلّقها الحاكم، وكان طلاقه بائناً، وحيث يجب عليها الاعتداد منه، فإنّ عليها عدّة الطّلاق، فإذا انقضت عدّتها، صارت خليّة منه وساغ لها التزوّج من غيره..."
أمّا في حال كان الزّوجُ المفقودُ مجهولَ الحياة والموت، فلزوجته "أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشَّرعيّ في حال خوفها من الوقوع في الحرام ولو مع الإنفاق عليها، وفي حال عدم الإنفاق عليها، فيمهلها الحاكم أربع سنين، تبدأ من تاريخ رفع دعواها، ثم يباشر بالفحص عن الزّوج لاستعلام حياته أو موته، فإذا انقضت السّنون الأربع ولم تتبيّن حياته ولا موته، أمر الحاكم وليَّه بطلاقها، فإن لم يستجب أجبره عليه، فإن لم يمكن إجباره، أو لم يكن له وليّ، طلّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله، ولزمتها عدّةٌ كعدّة الوفاة، أي: أربعة أشهر هلاليّة وعشرة أيّام، لكنَّها عدّة رجعيّة، تثبت لها فيها النّفقة، ويرجعها زوجها إذا عاد في أثنائها، ويرث كلّ واحد منهما صاحبه إذا مات خلال العدّة، فإذا انقضت، بانت منه وجاز لها التزوّج بغيره".[من كتاب "أحكام الشّريعة للمرجع فضل الله، مبحث المفقود زوجها".
أمّا أهل السنّة والجماعة، فيرون أنّه في حال كان يمكن الاتّصال بالزّوج، "فليس لامرأته أن تتزوَّج بإجماع أهل العلم، إلّا أن يتعذَّر الإنفاق عليها من ماله، فلها أن تطلب من القاضي فسخ النّكاح، فيفسخ نكاحه".
أمّا في حال فُقِدَ وانقطعَ خبره، فتختلف الآراء بين المذاهب الأربعة، حيث يذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنَّ امرأة المفقود لا تتزوّج حتّى يتبيّن موته أو فراقه لها، بينما يفصّل الحنابلة في المسألة، وكذلك المالكيّة، الّذين يرون أنّه إذا كان مفقوداً "في بلاد الإسلام، يؤجّل له أربع سنين بعد البحث عنه والعجز عن خبره، ثم تعتدّ زوجته. أمَّا إذا كان مفقوداً في أرض الشّرك، فحكمها أن تبقى على الزّوجيَّة لانتهاء مدَّة التّعمير، وهي سبعون سنةً، على الأرجح...". [نقلاً عن موقع "إسلام ويب"].
هذه بعض أحكام المفقود زوجها، ولا يزال هناك تفاصيل، يمكن طلبها في كتب الفقه الّتي تناولت هذا الموضوع.