هل ينتصر مهدي على مرضه العضال مجدَّداً؟ هل تتفوَّق إرادة هذا الرّجل الصّغير ابن العشر سنوات وسبعة أشهر، على ذلك المرض المشاكس الذي ينتقل في جسده من جزء إلى آخر؟
معاناة مهدي مع الأوجاع لها طعم آخر، بدأها في سنّ الخامسة والنّصف، حين كان تلميذاً في صفّ الرّوضة ثالثة، ترك مقاعد الدّراسة ليداوم في المستشفى، حيث تلقّى على مدى سنة ونصف علاجاً كيماويّاً لم يجرّده فقط من شعر رأسه الأسود الكثيف الجميل، بل نزع عنه حقوق الطّفولة التي ينعم بها الأطفال في عمره. منذ ذلك الحين، نزع المرض صفة التّلميذ عن مهدي، لم يكمل دراسته الأكاديميّة، ولكنه تعلم القراءة والكتابة من خلال هوايته في حلّ الكلمات المتقاطعة. أثقلت الحياة عليه وعلّمته الكثير من خلال تجربة مرضه المريرة، خلع مريول المدرسة باكراً، ليلبس ثوب الاستشفاء الذي يتمنّى بكلّ إيمان وصبر أن لا يلبسه مجدَّداً.
حرارة، أوجاع، انحطاط في جسده... هذا ما يفعله ذلك اللّعين به، ولكنَّ مهدي يقاوم، يقاوم بإرادته، يرفض أن يستسلم لواقعه، لأوجاعه التي تهدأ حيناً وما تلبث أن تشتدّ عليه دون رأفة بحال هذا الطّفل الجميل. ملامح وجهه تختصر معركة يخوضها مع عدوّ يحاول قتل طفولته، مرض انهزم أمامه الكبار والصّغار، ولكنَّ يقين مهدي كبير، وإيمانه بأنّه سيشفى واقع بإذن الله.
بعد سنة ونصف من العلاج، ظنّ مهدي أنَّ أوجاعه راحت إلى غير رجعة، وظلّ على مدى سنتين يعيش حياةً هي أقرب إلى الحياة العاديّة، ولكنّه منذ تسعة أشهر، عاد يعيش الكابوس والآلام من جديد، وأغلب أوقاته يمضيها في المستشفى للعلاج. ماذا يتمنّى مهدي؟ سؤال أجاب عنه بكثير من الاعتزاز: "سأكون ضابطاً في الجيش اللّبناني". حلم يطمح له تحقّق بعضه من خلال جمعيّة " تمنى"، التي حقّقت له أمنيته بزيارة وزارة الدّفاع ولقاء ضباط الجيش اللّبناني، ولكن ماذا بعد؟
عزيزي القارئ، إن كنت أباً او أمّاً، فلتسأل ولدك: ماذا يتمنى في هذه الحياة؟ ربما ستفتح عليك باباً من الطلبات ستبدأ حتماً باقتناء أحدث جهاز خليويّ، وربما تصل إلى حدّ السفر إلى عالم ديزني، ولكن ماذا يتمنى مهدي؟ "بدي بطّل إتوجّع، ما بقدر أمشي كتير بتعب دغري، ما عندي رفقة، ما بقدر إلعب وأركض، بحبّ إلعب فوتبول، أغلب الوقت بحضر تلفزيون"..
هل هذه الأمنيات صعبة التَّحقّق والمنال؟ تتحدَّث أمّ مهدي، السيِّدة عبير حمدان، والتي ربما نسيت كلّ هموم الحياة أمام أوجاع ابنها، بأنّه رفض أن يرى دموعها حزناً عليه منذ كان في السَّابعة من عمره، وأرادها أن تكون قويّةً أمام هذا الامتحان الكبير. ومهدي هو الّذي يقدِّم الدَّعم المعنويّ لأمِّه، يمدّها بالصَّبر والإيمان من خلال ابتسامته التي لا تفارق وجهه، وإيمانه بأنّه سينتصر على مرضه لا محالة.
مهدي يحتاج اليوم لإجراء عملية "زرع نقي عظم خلايا"، وهي عملية من مرحلتين، تحقّقت الأولى بانتظار المرحلة الثانية لاستكمال العلاج. لا يوجد رقم محدَّد عن كلفة العمليّة والعلاج، لأنّ ذلك الباب يبقى مفتوحاً، بحسب تجاوب جسم مهدي مع العلاجات الّتي سيتلقّاها بعد العمليّة، تكلفة تقريبيّة تناهز 80 ألف دولار.. مبلغ ليس بكبير أمام معاناة مهدي بالتّأكيد.
يحاول صندوق (الفرح) في مستشفى بهمن تأمين نفقات العلاج، هذا الصّندوق الذي بدأ منذ عشر سنوات مع الطّفلة فرح المرعي، الّتي كانت مصابة بمرض سرطان الجلد، وتكفَّلت بعلاجها بعد ظهورها في برنامج "إيد بإيد" على قناة nbn، إلا أنَّ فرح مالبثت أن فارقت الحياة، لأنها كانت في مراحل متقدِّمة من المرض.
يتحدّث الأستاذ علي كريّم، مدير مستشفى بهمن، عن هذه الحالة التي فتحت باب العلاج لكثير من الحالات: "أن تتفرَّج على طفلة تموت بسبب المرض، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أمر محزن للغاية، وحتى لا تموت فرح مرّة ثانية مع كلّ طفل يعاني مرض السرطان وغيره من الأمراض المزمنة ذات التّكاليف العلاجيّة المرتفعة، قرّرت مستشفى بهمن إنشاء صندوق الفرح، إيماناً منها بحقِّ هؤلاء الأطفال بالحياة، بعيداً من الجانب المادّيّ الذي تسعى المستشفى لتأمينه من خلال تبرعات الخيّريين لهذا الصّندوق".
أكثر من ألف طفل سبقوا مهدي إلى برّ الأمان وضفّة الشّفاء والخلاص من الأوجاع، وحاليّاً، هناك 85 طفلاً يستفيدون من دعم صندوق الفرح، حتى تبقى أحلامهم في قيد الحياة.
حكايات كثيرة تبعث الأمل بالشّفاء، كما حال الطفلة مرام قلوط، التي تخلصت من أوجاعها التي رافقتها منذ عمر الشّهرين ونصف، بسبب التهابات قويّة في العظم. على مدى سنة ونصف، تعرَّضت مرام للكثير من العلاجات الصّعبة والمؤلمة، تجربة قاسية تتحدّث عنها السيّدة فاطمة عبد المنعم، والدة مرام، بصبر وإيمان، وهي التي لم تصدِّق حينما أخبرها الطبيب أنّ ابنتها الجميلة لن تخضع للعلاج مجدَّداً، وأنَّ مرحلة المرض قد انتهت، وأنها تستطيع أن تحضن طفلتها دون أن تسبب لها أوجاعاً في ظهرها ويدها.
بين مهدي ومرام قصّة إرادة وشوق للعافية، ذلك الكنز الذي نمتلكه ولا نعرف قيمته إلا حين نفتقده. ينظر مهدي إلى مرام، وأمله كبير بأن يزور مستشفى بهمن ليتحدّث عن تجربة الشّفاء كما فعلت. هل نمتلك القدرة والقرار لمساعدة مهدي على تحقيق حلمه الأكبر؟ هل نقوى على رسم ابتسامة طفل دون وجع وغصّة؟ صغوطات هذه الحياة كثيرة بلا شكّ، ولكنّ إرادة التعاون والتّكاتف على الخير أقوى. كن شريكاً في حملة التّضامن مع مهدي قشاقش، وشارك حسب قدرتك ولا تتردّد.
لمن يرغب في المساهمة في علاج مهدي، يمكنكم التّواصل مع صندوق الفرح - مستشفى بهمن.أرقام حساب صندوق الفرح في بنك بيروت والبلاد العربيّةBBAC ش.م.ل -فرع الشيّاح:رقم حساب باللّيرة اللّبنانية: 211-553083-0038
رقم حساب الدّولار: 212-553083-0038
إنّ الآراء الواردة في هذا التّحقيق، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.