أطفأ الطّفل حسين غساني شموع ثلاث سنوات من عمره أشعلها الوجع والآلام جرّاء إصابته بمرض سرطان الدّم "اللّوكيميا"، هذا المرض الّذي لم يرحم صغر سنّه، بل جرّده من حلاوة الطّفولة في عمر التّاسعة. توقّفت عجلة حياة حسين الطّبيعيّة في ذاك العمر، وتركّزت زياراته فقط إلى قسم العلاج الكيماوي في مستشفى بهمن، حيث تلقّى علاجه بمراحله المختلفة، وصولاً إلى مرحلة اختتام العلاج والشّفاء، بإذن الله.
هي نعمة العافية، يستعيدها حسين اليوم بعدما حرم منها على مدى أكثر من ثلاث سنوات، تكاد والدته السيّدة رنا دياب لا تصدِّق أنَّ ابنها لن يخضع مجدَّداً لجلسات العلاج الكيماوي الصَّعبة، تبتسم والدَّمعة في عينيها، فما يحصل مع ابنها ربما كان بمثابة الحلم الذي اعتقدت أنّه لن يتحقَّق أبداً: "تجربة مؤلمة، تعذَّبت كثيراً، فابني كان في حالة صعبة، جسمه ضعيف، لونه شاحب، قواه منهكة، ولعلَّ المرحلة الأولى من العلاج كانت الأصعب، تساقط شعر حسين وتعب كثيراً، ولكنَّ الأمور بدأت تتحسَّن تدريجيّاً، الأهمّ أننا نحتفل اليوم بأهمِّ حدثٍ في حياتي، وهو شفاء ابني من مرض سرطان الدَّم، هذا الأهمّ بالنّسبة إليّ، حسين لم يعد مصاباً بالسّرطان".
"لم تمرّ سنوات العلاج الثّلاث كلمح البصر على عائلة حسين، بل تخلّلها الكثير من المعاناة التي توِّجت بالشفاء من مرض لطالما تغلّب على الكبار والصّغار"، تتحدَّث السيّدة أنجي عسيلي، المسؤولة عن متابعة الأطفال في صندوق الفرح في مستشفى بهمن، مستذكرةً مرحلة اكتشاف المرض عند حسين، حينها كانت أمّه في حالة انهيار وعدم تقبّل لحالة ابنها، "كان الوضع حقّاً صعباً، بدأنا العلاج مع حسين، وكانت لدينا مهمّة أخرى، وهي مساندة الأهل حتى يكونوا أقوياء، ويواجهوا الموقف بقوّة وصبر. نعمل في صندوق الفرح على تقديم العلاج لأطفال السّرطان وغيره من الأمراض المزمنة، ونعمل بالتّوازي مع الأهل، حتى ينجحوا في اجتياز هذه المرحلة ومساعدة ابنهم على العلاج".
مرض اللّوكيميا من الأمراض المنتشرة جدّاً بين الأطفال.. والشّفاء منه قد لا يكون مستحيلاً
يعتبر مرض اللّوكيميا، أو سرطان الدّم، من الأمراض المنتشرة جداً بين الأطفال، والتي قد تُسبِّب الوفاة للمصاب به، ويمكن الشّفاء منه في بعض الحالات. هو مرض خبيث يهاجم النّخاع العظميّ للشّخص المصاب الذي يعاني ارتفاعاً في عدد كريات الدّم البيضاء التي تكون غير مكتملة النّضوج في الدّم. يؤكّد د. حسن خليفة، الاختصاصي في الأورام وأمراض الدّم، "أنّ فرص الشّفاء من مرض اللّوكيميا متاحة إذا ما خضع المريض لمراحل العلاج المتعدِّدة". وحول حالة حسين، يشير د. خليفة إلى أهميّة ما تحقَّق في حالته، "اليوم، يختتم العلاج الذي امتدَّ لسنوات، حسين يستعيد صحته وعافيته، هناك فحوصات دوريّة يخضع لها، ولكنَّ الأهمّ، أننا نحتفي معاً ختاماً للعلاج الكيماوي الّذي رافق حسين على مدى سنوات".
حضر الأهل مع أولادهم المرضى حفل حسين غساني، بدعوة من صندوق الفرح الّذي بذر الأمل في نفوسهم، فالشّفاء قد لا يكون مستحيلاً. تأمل السيّدة هاجر، والدة الطّفل علي جعفر (6 سنوات)، المصاب أيضاً باللّوكيميا، أن تحتفل يوماً باختتام علاج ابنها الّذي يخضع للعلاج الكيميائي في هذه الفترة، كما حال العديد من الأطفال الّذين تحلّقوا حول حسين خلال تقطيع قالب الحلوى الّذي تزيّن بالآية المباركة: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.
مراسم احتفال حسين تشبه حفلات أعياد الميلاد، بل تتفوَّق عليها؛ أجواء فرح وألعاب خفّة وهدايا وأغان وبالونات، وغيرها من المظاهر التي تؤكّد أنَّ الحدث استثنائيّ بكلّ تفاصيله. بدا حسين أشبه بفارس متألّق، خلع عنه سنوات مرّة من المرض، ليبدأ مرحلة جديدة خالية من الأوجاع والعذابات، تحلّق حوله أصدقاء شاركوه على مدى فترة علاجه الوجع والألم من مرضه العضال، صفّقوا له ورقصوا معاً، وتمنّياتهم وأهلهم الّذين شاركوهم الحفل، أن يقفوا كما حسين على منصة التّكريم يوماً ما، ليحتفلوا بانتصارهم على المرض الخبيث، ويقولوا حينها كما قال حسين غساني: "وداعاً سرطان الدّم".
إنّ الآراء الواردة في هذا التّحقيق، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.