يتفاءل الناس ويتشاءمون من أشياء كثيرة ومظاهر كثيرة في الحياة، ويجعلون لها أسباباً،
منها ما جاء عبر الأساطير أو القصص التاريخية.
فمثلاً، يتشاءم البعض من البوم والغراب أو القط الأسود، أو رقم 13 مثلاً كما في
الغرب، ويتشاءمون أيضاً من دخول شخص عليهم، وقد عاد من عزاء أو تشييع جنازة،
ويتشاءمون من بعض الأيام، كالأربعاء والسبت.
وآخرون يرون التفاؤل بالحصان أو بالأرنب، أو الشعور بحكّة في كفّ اليد اليسرى، أو
بالرقم "سبعة"، وعندما نسأل عن أصل هذه الموروثات، فإن الإجابة هي أنه لا نقطة صفر
معروفة لذلك، فالباحثون يقولون بأن هذه الموروثات قديمة مع قدم وعي الإنسان،
وترسّخت تدريجياً مع نضوج العقل البشري.
في مصر مثلاً، يتفاءلون برأس السنة الهجرية، ويصنع الناس الحليب مع الرزّ كرمز على
البياض الذي يعني الخير، بينما يتشاءمون من إقامة الأفراح يوم الإثنين.
في السودان، المرأة التى ترى بداية طلوع الهلال، لا يسمح لغيرها من النساء من
الدخول عليها ورؤيتها مباشرةً، لأنّ ذلك نذير شرّ، كما أنّ الرّجل الذي يرى الجنازة
أو يشيعها أو يعود من تشييعها، ينبغي الابتعاد عنه.
في موريتانيا، يتجنّب المواطنون أموراً كثيرة يومي الأربعاء والسبت، ويعتبرونهما
يومي نحس وشؤم، فيما الجمعة عندهم يوم خير وتفاؤل، وهو من أفضل الأيام.
باحثون اجتماعيون يشيرون إلى أنّ المهمّ هو النظر في محتوى المعتقد، وأن الخطورة
تكمن في جعل هذه الموروثات تتحكّم بسلوكياتنا وتوجّهها في الواقع، بحيث نصبح
مسيّرين لها لا إرادة لنا أمامها، ولا يخفي هؤلاء قوّة الموروثات الموجودة في دواخل
الناس على كافّة مستوياتهم الإيمانية والاجتماعية.
ويضيف هؤلاء بأنَّ التشاؤم والتفاؤل سابقان على الأديان، وأصبحا جزءاً من التّراث
الشعبي، كما في الأدب الجاهلي مثلاً، فهناك ذكر لغراب البين الذي يعني الفرقة بين
الأحباب، فالعرب تتفاءل بالطير عموماً، وتتشاءم من بعض أنواعه، كالغراب والبوم،
وتتشاءم من الحيوانات المفترسة في الحلم، وتعتبرها نذير شؤم. فاللون الأحمر في
الحلم شؤم، لأنه يدلّ على القتل والدّم، والأخضر نذير خير، لأنه خصب وحياة. وفي
المحصّلة، فإن هذه الموروثات تعود إلى محاولة الإنسان تجنب الشرّ والأذى وجلب الخير
لنفسه.. إن هذه الرموز والموروثات تعدّ حالة وقائية ودفاعية للإنسان تجاه ما يضرّه
ويشكل تهديداً له.
ويقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض) بأنّه ليس للتشاؤم أصل في الدين، وأن
التفاؤل هو ما يحضّنا عليه الإسلام:
"ليس لها أصل ديني، بل قد نهى الدين عن التشاؤم من أيّ شيء، كالأيام والأرقام
وغيرهما، وقد ورد عن النبيّ(ص) أنه كان يحبّ الفأل ويكره الطيرة.
ورد في بعض الأخبار، أن الغراب إذا صاح يقول: "يا رازق ابعث بالرزق الحلال"،
والبلبل إذا صاح يقول: "لا إله إلا الله حقّاً حقّاً"، ولكن ذلك لا يثبت بشكل موثوق،
ولا بأس به من ناحية التفاؤل، والتشاؤم مذموم حتى من الغراب". [أسئلة/ مفاهيم عامّة].
لنكن الواعين الذين يميِّزون الأمور، ولا يتأثّرون سلباً بالموروثات، بحيث تعيق
تفكيرهم وتقدّمهم، ولكن المتفاءلين دوماً، الذين يسعون بحسب إمكاناتهم، ويهتدون
بهداية الله لهم.