{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يحتاجه الناس في أمور
معاشهم ومعادهم، {مَّوْعِظَةً} تفتح قلوبهم على الله فيخشعون لعظمته، وتفتح قلوبهم
على الخير فينطلقون إليه. {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ}، في ما تتحرَّك به أحكام
الشّريعة في تنظيم أمور الحياة العامَّة والخاصّة، بكلّ مفرداتها وتفصيلاتها،
لتتحرّك الحياة كلّها في طريق الله من خلال أوامره ونواهيه، فلا بدّ من الدعوة
إليها، وتخطيط الوسائل العملية لتحويلها إلى واقع يتحرّك في حياة الناس، وتوجيه
الأفكار نحو الالتزام بمفاهيمها وأهدافها بشكل واقعيّ حاسم، {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}
في ما يحمل الفكر من قوّة، وما تنطلق به الدعوة والحركة والإرادة من عوامل القوة
التي تتحدى بالرسالة، وتواجه التحديات بقوّة الموقف.
وتلك هي الدّعوة المستمرّة لكلّ الدّعاة إلى الله الحاملين لرسالته، بأن يأخذوها
بقوّة، فيحشدوا كلّ عناصر القوّة الفكرية والروحية والعملية التي تجعلهم في موقع
المواجهة الحاسمة الحازمة التي لا تهزمها عوامل الضعف، ولا تخيفها وسائل الرعب
والتهويل.
{وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}، فليفتّشوا عن الأحسن فيها ليأخذوا
به، وسيرون أنَّ كلّ ما فيها يمثّل المرتبة العليا في الحُسن؛ فلا تفاضل بين تشريع
وتشريع، أو بين مفهوم ومفهوم، بل هو التوازن في الجميع، لأنّ الله قد راعى الحكمة
في كلّ ذلك في ما يريده من تحقيق الفلاح للإنسان المؤمن في الدنيا، وفي السعادة
التي يحصل عليها في الحياة، وفي النصر بغلبة الحقّ التي يحقّقها في مواجهته لأعداء
الله.
{سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} الذين ابتعدوا عن الحقّ، كيف يعيشون حياة
الشقاء والعناء المنتهية إلى الهزيمة أمام قوّة الحقّ، في كلّ المجالات، لتكون
العاقبة لكم أيّها المؤمنون.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 10.