قال الله تعالى في كتابه العزيز:
{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ}[البقرة: 261].
إنّ الآية تتحدّث عن الجزاء على الإنفاق في سبيل الله، بأسلوب ضرب المثل بالصورة الحسيّة التي يواجهها الإنسان في حياته، وهي صورة الحبّة ـ البذرة التي يلقيها الزارع في الأرض، فتنبت سبع سنابل تشتمل كلّ واحدة منها على مائة حبّة.
وهكذا يتحوّل كلّ مورد للإنفاق من الإنسان إلى سبعمائة حسنة له، قابلة للزيادة عند الله... والحديث عن الثّواب في مجال الترغيب في العمل، أسلوب ديني ينطلق من فطرة الإنسان على محبّة الذات في ما تحصل عليه من الربح والخسارة، وقد أبقاها الله فلم يكبتها في داخله عندما كلّفه بما كلّفه، مما قد يؤدي إلى الخسارة المادّيّة، ولكنّه وجهها توجيهاً صالحاً يدفع الإنسان إلى طلب الرّبح في ما عند الله، بدلاً من الاقتصار على ما في الحياة الدّنيا، وذلك من خلال حركة الإيمان بالله واليوم الآخر، فيبتعد بذلك عن وساوس الشّيطان التي تثير أمامه احتمالات الخسارة عندما يريد ممارسة الإنفاق.
وقد يتساءل بعض الناس، أنّه لا يوجد في العالم سنبلةٌ تحمل مائة حبّةٍ، فإنّ أكثر الأرقام التي شوهدت هي ثمانون حبّة.
فكيف نفهم وقوع هذا الفرض غير الموجود في الآية الكريمة؟ والجواب:
أوّلاً؛ إن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، فلا مانع من وجود مثل هذه السّنبلة في ما لم نعثر عليه.
ثانياً؛ إنّ أسلوب ضرب المثل لا يفرض واقعيّة الصّورة، بل كلّ ما هناك هو تقريب الفكرة من خلال الصورة التي تنقل الموضوع من الواقع إلى المثال، فإنّ المقصود هنا هو الحديث عن حجم ثواب الله على الإنفاق في سبيله بالمستوى الذي يبلغ فيه هذا الرقم، ولكن بأسلوب مؤثر في صورة الواقع المحسوس...
*تفسير من وحي القرآن، ج5