{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ
أَنَابَ}[ص: 34].
إنّ هذه الآية توحي بوجود فتنةٍ واختبارٍ في حياة سليمان، لتوجيه بعض أوضاعه الّتي
يريد الله له أن يركّزها على أساسٍ من الاستقامة في الفكر والعمل، في ما يبتلي الله
به عباده ورسله، من أجل أن يربّيهم على الثّبات في مواقع الاهتزاز، من خلال حركة
التّجربة في حياتهم العمليّة التي يُراد لها أن تطلّ على حياة الآخرين من موقع
القيادة الرساليّة، وربما توحي الآية من خلال قوله: {ثُمَّ أَنَابَ}، بأنه ابتعد عن
الخطّ قليلاً، في ما هو القرب السلوكي من الله، ثم عاد إليه بعد أن ابتلاه الله
فعلياً.
وقد اختلفت الروايات في تصوير المراد بالفتنة، فذكر بعضها أنّه كان يشعر بالقوّة
الكبيرة في جسده، بما تمنحه من القوّة الجنسيّة التي يواقع فيها عدداً كبيراً من
نسائه، لتلد له كلّ واحدةٍ منهنّ ولداً، فولد له ولد غير متكامل الخلقة، وأماته
الله وألقاه على كرسيّه جسداً لا روح فيه، ليدلِّل له أنّ الأمور كلّها بيده. وقيل:
إنّ الله ابتلاه بمرض فألقاه على كرسيه كجسدٍ لا روح فيه... إلى غير ذلك من
الرّوايات التي لا أساس فيها للحجيّة، ولا سيّما أنّ الكثير منها لا يتناسب مع
أخلاقية الأنبياء أو المؤمنين، مما روته المصادر الإسرائيليّة، فلنردّ علم ذلك إلى
أهله، ولنقف عند إيحاءات الآية في حصول نوع من البلاء الذي أنزله الله على سليمان،
ليكون بمثابة الصّدمة الروحيّة، التي تثير لديه الكثير من الأفكار حول القضايا
المتّصلة بموقعه من الله ورجوعه إليه، وطاعته والانقياد له في كلّ الأمور.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 19.