{قَالُواْ يا صالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا}، فقد كانت الآمال معقودةً عليك في قيادة المجتمع نحو الخير لا نحو الشرّ، {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} من الأوثان التي قدّسها الآباء وعبدوها أجيالاً؟ ألا تسيء بذلك إلى ذكرى الآباء، وتتمرَّد على قداستهم؟ فهل يمكن أن نحكم عليهم بالجهل وتقديس الخرافة في ما عبدوه كما تقول؟ وهل نستطيع الادّعاء بأننا نفهم أكثر مما يفهمون، ونعرف أكثر مما يعرفون، وهم أصحاب التّجربة والفكر والسّبق في التاريخ؟ وهل يتعلّم الجيل الحاضر إلا من الأجيال الماضية؟
هكذا كانت كلّ هذه الأوهام تتسابق إلى أخيلتهم في ما يعتبرونه أساساً لتقييم الفكر، أو تقديس التاريخ، أو لتمايز المجتمعات.
{وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ}، فقد لا تكون المسألة بالنسبّة إليك مجرّد فكرة تريد إثارتها أمامنا أو دعوتنا إليها، بل قد تكون هناك خلفيّاتٌ وأهدافٌ مشبوهةٌ تتَّصل بطموحاتك ومصالحك، مما قد يتعارض مع أوضاعنا وطموحاتنا ومصالحنا...
ولهذا، فإنّنا ننظر إلى المسألة نظرة اتهام منشؤها سوء الظّنّ بك، وبما تضمره من سوء للمجتمع، وهكذا يبدو أنّ هؤلاء القوم لم يرغبوا في مناقشة المسألة من ناحية المضمون على أساس احتمال الصّواب والخطأ فيها، لأنّ رفضهم للدّعوة حاسم، بل أرادوا مناقشتها من ناحية الدوافع الذاتية الكامنة خلفها، والله العالم.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 12.