{عَالِمُ الْغَيْبِ} الذي لا يدركه الحسّ، في الحاضر والمستقبل، {وَالشَّهادَةِ}
الّذي يمثّل الحضور الحسّي للأشياء التي لا يمتنع فيها الإدراك البسيط بأدوات
الإحساس، {الْكَبِيرُ} الذي يصغر كلّ مخلوقٍ أمام حجم عظمته، ويتصاغر كلّ عظيم عنده،
{الْمُتَعَالِ} الّذي لا يبلغ أحدٌ علوّ شأنه ورفعة قدره، فهو المتعالي على كلّ شيء،
من حقيقة موقع العلوّ الذاتيّ في وجوده.
وهذا ما يجعلنا نقف أمام جلاله العظيم، في خشوع العبد أمام سيّده، والمخلوق أمام
خالقه، لنشعر بأنّه يحيط بكلّ شيءٍ لدينا وفينا ومعنا وحولنا من كلّ ما خفي وما ظهر،
فلا يغيب عن علمه شيء، ولا يقترب من علوّه وعظمته شيء، {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ
أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}، لأنّ الإنسان هو الذي يختلف عنده حال الجهر
وحال السرّ، من خلال ارتباط وعيه للمسموعات بأدوات السّمع عنده.
أمّا الله، الّذي أحاط بسرّ الإنسان، حتى عندما يكون قوله فكرةً في الذّهن، فإنّ
الجهر والسرّ يتساويان في موقع علمه، {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالليْلِ}، يستتر
بظلامه، فلا يراه أحدٌ {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، بما يظهره نور النّهار في ملامحه
ومظاهر حركته، لأنّ الظلام قد يحجب عن الإنسان معرفة ما في داخله، ولكنّه لا يحجب
عن الله ذلك، لأنّه مطّلعٌ عليه بحضوره عنده، لأنّ الأشياء كلّها حاضرة لديه في كلّ
مواقع علمه.
*تفسير من وحي القرآن، ج 13.