{مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ}، فهم لا يعيشون الجدية في مواقفهم أمام المسؤوليّة، بل
يواجهونها من موقع اللّهو واللّعب، كمن يلعب بمصيره غافلاً عن النّتائج السلبيّة
الّتي يلاقيها. وهذا ما كانوا يمارسونه عندما كان الأنبياء يأتونهم برسالات ربّهم
الّتي ترشدهم إلى الفلاح في الحياة، وتثير في داخلهم الشّعور بالسموّ الرّوحي الذي
يلتقون من خلاله بالله، ويتّضح لهم الكثير من المشاكل الواقعيّة التي تصادفهم في
قضايا الفكر والحركة والشّعور. فقد كانوا يستمعون إلى الأنبياء استماع اللاعب الذي
لا يريد أن يشغل عقله بما يسمع، أو يربي روحه به...
{لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} بكلّ زخارف الدّنيا وزينتها، وبكلّ مواقع الشّهوات
ومراتعها، وبكلّ مظاهر القوّة وأدواتها، فهي مشغولة بذلك كلّه، مبهورة بالألوان
اللامعة، بالصّور السّاحرة، في حالة من اللّهو المتحرّك في نبضاتها، المهتزّ في
مشاعرها، حيث لا تطمئنّ إلى هدوء الفكر، وصفاء الرّوح، وإشراقة الوجدان، لتكتشف، من
خلال ذلك كلّه، أنّ وراء كلّ هذه الأوضاع اللاهية الباهرة عمقاً للحياة، بما تختزنه
من مشاكل ومتاعب وبلايا وآلام، مما قد ينسف كلّ هذا الواقع الذي يسترخون فيه،
ويطمئنّون إليه... ولعلّ مشكلة اللّهو القلبيّ أخطر من مشكلة اللّهو الجسدي، لأنّه
يستنزف كلّ عناصر الإحساس الجدّيّ في عمق الذات، بينما يتحرّك اللّهو الجسديّ ليشغل
العين واليد واللّسان.. وبذلك يبتعد الإنسان عن خطِّ الالتزام في حركة الواقع من
خلال الرّسالة.
*تفسير من وحي القرآن، ج 15.