الرؤيا الثالثة عشرة:
شَفتي ضفَّةٌ من الموتِ مسَّتـ ـهُ رماداً وعانقتهُ تراب
ما بها غيرُ رجفةِ الظّمإِ المخْـ بوءِ في القلبِ حرقةً وعذاب
كلَّما لَملَمتْ من الماءِ طيفاً ماتَ في كفِّها، وعادَ سراب
شَفتي عالَمٌ من الغضبِ المصْـ ـلوبِ مسَّ الموتى، فهبَّت غِضاب
وصلاتي همسٌ معَ الله كانَ الـ قلبُ صحواً، والكونُ كانَ ضباب
وأنا أصهرُ السّيوفَ بقلبي وبأُنشودتي أُذيبُ الحرابا!
* * *
اَلسّحابُ استضافَ كفِّي ولكنْ نَهَشَ الملحُ في يَديَّ السّحاب
كانَ للماءِ وجهُ عصفورة بيـ ـضاء أغرى الوادي عليها الذّئاب
ألفُ سيفٍ يفاجئ الجرحَ والجر حُ يلفُّ الرّدى ويطوي الغياب
لا الرّمالُ الشّوهاءُ تقدرُ أنْ تغـ ـتالَ خطوي، مسافةً.. واغتراب
لا ولا اللّيلُ وهوَ سورٌ من القارِ الـ ـمدمَّى حطَّمتُ منهُ الباب
فأطلّت قوافلٌ تنهبُ المجـ ـدَ وتُعطي جماجماً.. ورقاب
* * *
شَفتي جمرةٌ تشظَّتْ فقدْ تخـ ـطفُ برقاً، وقدْ تجيءُ شهاب
تغمرُ الشّاطئَ الفراتيَّ بالضّو ءِ وتُؤوي لجرفِهِ الأسراب
وتُغطّي بالدّفءِ ما عرَّتِ الرّيـ ـحُ وترفو من رمشِها الأثواب
* * *
شَفتي والغبارُ رشَّ عليها النّو حَ حزناً.. فجاذبتهُ الرّباب
ثمَّ أنّتْ فاستيقظَ الخصبُ والنَّخـ ـلُ يصلّي، يلثمُ المحراب
* * *
يا جراحي للوردِ أسئلةٌ حيـ رى تَلَظَّت بهِ فكوني الجواب
كيفَ أضحت للماءِ رائحةُ الجمـ ـرِ وصارت مواسمُ اللّفحِ غابا؟
***
الرّؤيا الرابعة عشرة:
هل يلْتَوي السّكَّينُ فوقَ دمي
ويرتجفُ الفرات؟
هل تنحني الأمطارُ
هل تتكسّرُ الألوانُ
هل تَلتفُّ بالخجلِ الصّلاةُ؟
ظّلانِ خلفَ خطايَ،
مَنْ في الضّوءِ قد وُلِدو
ومَن في الجرحِ قد وُلِدوا..
وماتوا!
* * *
أمضي ولي وَهَجُ الجذورِ،
ولي بداياتُ التمرُّدِ،
لي مخاضُ الرّفضِ،
لي شمسٌ،
وذاكرةٌ قديمَهْ
خَطَفَت حكاياها السّيوفُ
وَرَظَّها وهْمُ الجريمَهْ!
* * *
أمضي وَلي في الماءِ مملكةٌ
وللموتِ الهزيمَهْ!
***
الرّؤيا الخامسة عشرة:
اَلحسينُ انحنى على صدرهِ الرّمـ ـحُ وصلّتْ على يدَيهِ الجروحُ
وتلوَّى النّخيلُ، يا شَجَرَ الجمـ ـرِ المُدمّى، هل أيقَظتكَ الرّيحُ؟
هل تلثّمْتَ بالغبارِ؟ لماذا عُدْتَ شلواً، مُصَمَّغاً، لا يبوحُ؟
لستَ وجهاً من الرّمادِ، ولا الأر ضُ دخاناً، حتى تضيعَ السّفوحُ
هبَطَت لحظةُ الفجيعةِ... جرحٌ دَبِقٌ يغتلي... وتخفقُ روحُ
وخيولٌ تُمزِّقُ الجَسدَ الأخْـ ـضرَ... تغدو مخبولةً، وتروحُ
النّهارُ انكسارةٌ، وشحوبُ الـ أفْقِ ظمآنُ، والفضاءُ جريحُ!
غادري يا نوارسَ الماء، هذا زمنٌ ميّتُ الرّؤى، مذبوحُ
اَلضّحايا تدقُّ بوّابةَ الوحـ شةِ فيهِ، تدقّها... وتصيحُ
سيجيءُ الحسينُ يوماً، يجيءُ الـ ـبحرُ في خطْوهِ.. يجيءُ المسيحُ...
*من ديوان: الحسين .. لغة ثانية.