اليوم: السبت15 ربيع الأول 1445هـ الموافق: 30 سبتمبر 2023

إجابة الله دعاء عباده

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} في قلق المعرفة وحيرة الفكر، انطلاقاً من عالم الغيب الذي لا يملكون السّبيل إليه بطريقة حسيّة، ومن علوّ الألوهيّة وسموّها وارتفاعها في آفاق العظمة التي لا يدركون كنهها وحقيقتها، ولا يعرفون الوسيلة التي ينطلق فيها الإنسان إلى ربِّه، والعلاقة التي تربطه به في حاجاته التي يتطلبها، وفي مشاعره التي يحسّ بها، وفي تطلّعاته التي يهفو إليها، ولا يدرون كيف يتحدّثون معه ويصلون إليه، وهو البعيد عنهم بعد السَّماء عن الأرض في الغموض الكثيف الذي يلف السَّماء في مفهومها الطبيعي في أفكارهم؛ الأمر الذي يخيّل إليهم أنّه لا مجال لأيّة صلةٍ بينهم وبينه، لأنها تنطلق من مواقع القرب المكاني الذي لا دور له هنا، والمعنوي الذي لا مجال له بين العبد في حقارة موقعه وبين الربّ الذي هو في العلوّ الأعلى الذي ليس فوقه شيء.

ولكن الله الذي يعلم عمق أسرار عباده، ودقّة أحاسيسهم، وضبابية الغيب في تصوّراتهم، وقلق المعرفة في دائرة الحيرة في علامات الاستفهام الكامنة في ذواتهم، أراد أن يستبق السّؤال ـ في حال صدوره عنهم ـ بالجواب عن السؤال المتحرّك في وجدانهم الخفيّ...

{فَإِنِّي قَرِيبٌ}، لأني لست وجوداً محصوراً في المكان لتكون المسافات هي التي تفصلني عنهم، بل هو الوجود الكلي في القدرة والإحاطة والشمول؛ فلا يغيب عنه شيء، فهو العالي في علوّه، في الوقت الذي هو الداني في دنوّه، فلا شيء أقرب إلى عباده منه. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: 16]، {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 24].

إنه الحاضر الذي لا يملك أحد معنى حضوره في وجود الإنسان لأنّه سرّ وجوده، ولهذا كان قربه إليه من خلال ارتباط ذاته به، فهو الذي يمنحها الوجود في كلّ آن من جهة فقره المطلق إليه.

وإذا كانت المسألة بهذا المستوى من معنى قرب الله إلى عباده، فإنَّ على عباده أن يتعاملوا معه من موقع هذا القرب، ليتحدّثوا معه حديث القريب إلى القريب، سرّاً وجهراً، في همسة الرّوح، وتمتمة الشّفاه، وانفتاح القلب...

{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} من كلّ عمق الإخلاص في قلبه، وصدق المسألة في لسانه، وحقيقة الإحساس بالفقر والحاجة في روحه، وخفقة الإحساس في شعوره، ورقّة الدموع في عينيه، ورعشة الخشوع في كيانه... إنّه الدّعاء الذي ينبع من وجود الذات في إنسانيّتها المؤمنة بخالقها، المنفتحة عليه، المستغيثة به، المستجيرة بقدرته، الرّاجعة إليه في كلّ أمورها من دون وسيط، بل هو العبد بين يدي ربّه...

وإذا عاش الإنسان هذا الروح الإلهي في الدعاء، كانت الإجابة قريبة منه لطفاً به ورحمةً له. وقد يؤخّر الله الإجابة لمصلحته، لأنَّ المسألة التي أرادها لم تتوفّر عناصر وجودها في هذا الوقت من خلال الظروف الخاصة أو العامة، أو لم تكن له المصلحة في الإجابة الآن، وقد لا تتحقّق الإجابة أصلاً، لأنَّ مضمون الدعاء لم يكن مرضياً عند الله لاشتماله على طلب حرام، أو ترك واجب، أو مضرّة إنسان لا يستحقّ إيقاع الضّرر به، أو لتعلّقه ببعض الأمور التي لا تتناسب مع حركة النظام الكوني أو الاجتماعي العام، ونحو ذلك...

{فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} في كلّ نداءاتي ودعواتي وأوامري ونواهيّ، التي أردت لهم من خلالها الصلاح في دنياهم وأخراهم، لتكون حياتهم متوازنة منفتحة على الخير في كلّ أوضاعهم، ولتنطلق آخرتهم في خطّ الاستقامة المنفتح على الله.

{وَلْيُؤْمِنُواْ بِي} وبربوبيّتي الشاملة، وبتوحيدي في الألوهيّة والعبادة والطاعة، لأنَّ ذلك هو الذي يؤكّد الصلة بين العبد وربّه، ليعيش الحضور الإلهيّ في عقله وروحه وحياته، وليدرك معنى القرب الذي يوحي به الله إليه، ليكون قريباً إلى ربّه بالاستجابة له والإيمان به، كما أنَّ ربّه قريب إليه، وفي كلا الحالين تعود المنفعة له.

{لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لأنهم إذا استجابوا لله، انطلقوا في خطّ الوعي للحياة في كلّ قضاياها العامّة والخاصّة، ولإنسانيتهم في كلّ خصائصها الداخليّة والخارجيّة، وتحرّكوا نحو الأهداف من موقع الرّشد العملي الذي يضع الأمور في مواضعها.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 4.

مواضيع متعلّقة

تعليقات القرّاء

ملاحظة: التعليقات المنشورة لا تعبّر عن رأي الموقع وإنّما تعبر عن رأي أصحابها

أكتب تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو الأشخاص أو المقدسات. الإبتعاد عن التحريض الطائفي و المذهبي.

  • تحويل هجري / ميلادي
  • المواقيت الشرعية
  • إتجاه القبلة
  • مناسبات
  • إتجاه القبلة
تويتر يحذف حساب عهد التميمي تويتر يحذف حساب عهد التميمي الاحتلال يعتقل 3 فتية من الخليل الشيخ عكرمة صبري: من يفرط في القدس يفرط في مكة والمدينة شيخ الأزهر يؤكد أهمية تدريس القضية الفلسطينية في مقرر دراسي حماس تدين جريمة كنيسة مارمينا في القاهرة الهيئة الإسلامية المسيحية: الاعتداء على كنيسة حلوان إرهاب يجب اجتثاثه الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء منظمات أممية تدعو لوقف الحرب في اليمن داعش تتبنى هجوم الأربعاء على متجر بسان بطرسبورغ الميادين: مسيرات حاشدة في مدن إيرانية رفضاً للتدخل الخارجي بالبلاد بنغلاديش تستعد لترحيل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى ميانمار فى يناير/ كانون الثاني وزير ألماني محلي يدعو للسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب صحيفة أمريكية: الولايات المتحدة تفكر فى قطع مساعدات مالية عن باكستان مقتل 3 عمال في إطلاق نار في ولاية تكساس الأميركية بوتين يوقع قانوناً لإنشاء مختبر وطني لمكافحة المنشطات مسلح يقتل عمدة مدينة بيتاتلان المكسيكية علماء يبتكرون لقاحاً ضد الإدمان على المخدرات منظمة الصحة العالمية: السكري سابع مسببات الوفاة في 2030 دراسة: تلوث الهواء يقتل 4.6 مليون شخص كل عام المشي 3 كيلومترات يومياً يحد من تدهور دماغ كبار السن ضعف العلاقات بين المهاجرين ندوة في بعلبكّ: دور الحوار في بناء المواطنة الفاعلة شهرُ رجبَ شهرُ الرَّحمةِ وذكرِ الله لمقاربةٍ لبنانيَّةٍ وحوارٍ داخليٍّ قبل انتظار مساعدة الآخرين السَّبت أوَّل شهر رجب 1442هـ مناقشة رسالة ماجستير حول ديوان شعريّ للمرجع فضل الله (رض) الحجاب واجبٌ وليس تقليدًا اجتماعيًّا في عصر الإعلام والتّأثير.. مسؤوليَّة تقصّي الحقيقة قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟! فضل الله في درس التفسير الأسبوعي
يسمح إستخدام المواضيع من الموقع شرط ذكر المصدر