قال مفتي أستراليا ونيوزيلندا "مصطفى راشد": إنّ غسل الموتى "كشف للعورات"، لم
يأت به الشّرع الإسلاميّ، ولم يكن موجوداً عند المسلمين قبل نحو 400 عام من الآن،
مشيراً إلى أنّ مصدره أحاديث "مزوّرة" منسوبة إلى النبي محمد ظهرت قبل نحو أربعة
قرون، مؤكّداً أنه "أوصى بعدم غسله بعد موته، لما في ذلك من حرمة لم يأت بها شرع
الله"، على حدّ قوله.
وأضاف: "إنه بات من الشّائع خطأً ضرورة تغسيل الميت شرعاً قبل دفنه، حتى جعلوه فرض
كفاية، وهو أمر لم يفعله المسلمون قبل 400 عام مطلقاً، وهو تاريخ بداية ظهور عدد من
الأحاديث المزوّرة تتكلم عن غسل الميت وثواب من يقوم بهذا الفعل".
وتابع: "للأسف كلّها أحاديث مزورة لم يكن لها ذكر قبل 400 عام، ولا مصدر لها موثق
ولا سند كاملاً لها"، قائلاً: "كما أنّ الغسل يتنافى مع شرع الله الذي حرّم رؤية
العورة على الأجنبي، وللأسف، غالبيّة من يقومون بالغسل هم أغراب وأجانب عن الميت،
ولا يحقّ لهم رؤية عورته، كما لم يرد في القرآن شيء يشير إلى غسل الميت، سواء كان
ذلك صراحة أو ضمناً".
وأردف: "فقط ورد أنّ الميت يجب دفنه، فابن آدم القاتل، بعث الله له الغراب لتعريفه
شيئاً واحداً فقط، وهو مواراة الجثة، أي دفنها في التّراب، وبالطبع، لم يذكر غسلاً
ولا كفناً، وذكر ذلك في سورة المائدة: آية 31، والآية واضحة، وتعليم الله واضح، فلا
غسل للميت، فلو كان الغسل واجباً ومن الشّرع، فما ذنب من مات شهيداً في تفجير أو من
مات محروقاً أو في طيارة أو تحت عجلات القطار؟!".
فالغسل مخالفة لشرع الله، واطّلاع على العورات، وأنا عن نفسي، كتبت في وصيتي عدم
تغسيلي، لما في ذلك من حرمة واطّلاع على العورات، والغسل لم يأتٍ به شرع الله".
ويردّ على كلامه غير الدقيق والباعث على الدّهشة، والغريب صدوره عن أناس يدّعون
الإفتاء والعلم:
أوّلًا: هذه دعوى من جهته تحتاج إلى أدلّة، فحتى القرآن الكريم لم يذكر أحكاماً
تفصيلية فيما يخص تغسيل الأموات كغيرها من العبادات، ومنها الصلاة مثلاً، لم يأت
على ذكر ما يقال في هذه الصّلوات.
ثانياً: والروايات الصحيحة تدلّ على عكس المدَّعى فيما يتعلق بوجوب تغسيل الأموات
على تفصيل.
وقوله إنّ الأحاديث لم يكن لها ذكر قبل 400 سنة وأنّها مزوّرة، مجاف للحقيقة، فمن
يطّلع مليّاً، فإن الغسل كان موجوداً في زمن الرسول الأكرم (ص) الذي أمر به وأوضحه
كحكم شرعيّ، وهكذا دأب عليه المسلمون قاطبة سنّة وشيعة على مرّ العصور، يكفي ذكر
حديثين عند أهل السنّة من جملة أحاديث كثيرة تدلّ على وجوب التغسيل، ومن ذلك قولهم:
إنّ المسلم إذا مات وجب تغسيله نصّاً وإجماعاً إذا لم يكن شهيد معركة، وذلك لما ورد
في حديث أم عطيّة الأنصاريّة: "دخل علينا رسول الله (ص) ونحن نغسل ابنته، فقال:
اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر بماء وسدر، واجعلن في الأخير كافوراً أو شيئاً من
كافور" (مسند أحمد، ج5، ص 84). / (البخاري ، ج 1، ص 73).
وفي حديث ابن عباس في الذي سقط عن راحلته فمات، قال النبيّ (ص): "اغسلوه بماء وسدر
وكفّنوه في ثوبين". (البخاري ،ج1، ص 75).
ففي كلا الحديثين دليل على وجوب تغسيل الميت.
وفي المرويّات عن أهل البيت (عليهم السلام) الكثير من الأخبار التي تدلّ على الوجوب،
ومنها:
عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن فضيل سكرة قال:
قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك، هل للماء حدّ محدود؟ قال: إنّ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ صلوات الله عليه: إذا أنا متّ، فاستق لي ستّ
قرب من ماء بئر غرس، فغسّلني وكفّنّي وحنّطني، فإذا فرغت من غسلي وكفني وتحنيطي،
فخذ بمجامع كفني وأجلسني، ثم سلني عمّا شئت، فوالله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه.
وجاء في موثقة سماعة، حيث روى عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: "سألته عن السّقط
إذا استوت خلقته، يجب عليه الغسل واللّحد والكفن؟ قال: نعم، كلّ ذلك يجب عليه إذا
استوى".
وإجماع المسلمين قائم على وجوب التغسيل، فعندما توفّي الرسول الأكرم (ص)، قام عليّ
(عليه السلام) بتغسيلة وتحنيطه وتكفينه، نزولاً عند وصيّته، والتزاماً بشريعته.
إنّ التنبّه ضروري لمثل هكذا مقولات مضرّة، لا تلتزم معايير الدقّة العلميّة
والموضوعيّة، وتنتهج نهج المغالطات المتهافته.