ملكة سبأ شخصيّة تاريخيّة تناولتها الأديان الثلاثة التوحيدية؛ اليهودية
والمسيحية والإسلام، وكان لهذه الشخصية حضور ثقافي وتاريخي ضارب في الثقافة اليمنية
والإثيوبية على السواء.
في تقريره الذي نشرته مجلة "أنشينت أوريجينز" البريطانية، قال الباحث والكاتب
المختصّ بدراسات الآثار وو مينغرين، إنه في حين أن معظم الناس يعتبرون ملكة سبأ
شخصية دينية، فإن الإثيوبيين يرونها كوالدة للشعب الإثيوبي، ويعتقدون أن أصول سلالة
سليمان - التي حكمت إثيوبيا حتى عزل آخر حكامها هيلا سيلاسي الأول في العام 1974-
تعود إلى ملكة سبأ.
وأضاف الكاتب أنّ ملكة سبأ وردت في التوراة والقرآن الكريم بصفتها فقط دون اسمها،
ومع ذلك، أعطيت أسماء مختلفة، فعلى سبيل المثال، تشير المصادر العربيّة إلى ملكة
سبأ باسم "بلقيس"، في حين يشير مصدر مسيحي إليها باسم "نيكولا"، أمّا الإثيوبيون،
فيشيرون إلى ملكة سبأ باسم "مكيدا".
ذكرت قصة ملكة سبأ في التوراة في سفر الملوك الأوّل الإصحاح العاشر، وسفر أخبار
الأيام الثاني الإصحاح التاسع؛ وفي كلّ هذه الروايات، زارت ملكة سبأ سليمان في
القدس، لأنها "سمعت بخبر سليمان لمجد الرّبّ"، وأرادت أن "تمتحنه".
وبالمثل، عامل سليمان الملكة بسخاء كبير أثناء إقامتها في القدس، إذ أعطاها "كلّ
مشتهاها الذي طلبت، ما عدا ما أعطاها حسب كرم الملك سليمان". بعد ذلك، عادت ملكة
سبأ إلى بلدها، ولم تُذكر من جديد في التوراة.
وأورد الكاتب أن قصّة ملكة سبأ ذكرت في القرآن الكريم أيضاً بصيغة مشابهة -نوعاً ما-
للقصة المذكورة في التوراة؛ وفي سورة النمل، تبدأ قصة ملكة سبأ بطائر الهدهد الذي
أخبر سليمان عن أرض سبأ، والذي أخبره أن هذه الأرض تحكمها امرأة {إِنِّي وَجَدتُّ
امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}.
ورفض سليمان الهدايا التي أرسلتها ملكة سبأ إلى القدس قائلاً: {أَتُمِدُّونَنِ
بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ
تَفْرَحُونَ}، وهدّد باتخاذ إجراءات عسكرية قائلاً: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم
مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
لذلك، قرّرت ملكة سبأ السفر للقدس، وقبل وصولها، جمع سليمان الجنّ وأمر أحدهم بأن
يأتي بعرش الملكة إلى قصره، ليعرف ما إذا كانت سبأ قادرة على التعرّف إليه. بعد ذلك،
دعيت ملكة سبأ إلى الصّرح، واعتقدت أن الأرض الزجاجيّة مبلّلة بالماء، فرفعت ثوبها
حتى لا تتبلّل ملابسها. أخيراً، اعترفت ملكة سبأ بذنبها وأسلمت لله.
ذكر الكاتب أن أعظم لغز يحيط بقصة ملكة سبأ يتمثل في موقع سبأ نفسه. يقال إنّ ملكة
سبأ من إثيوبيا، استناداً إلى المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس من القرن الأول
ميلاديّ، والذي أفاد بأنّ سبأ هي إثيوبيا.
ومن وجهة نظر العلماء المعاصرين اليوم، يقال إنّ ملكة سبأ جاءت من أكسوم، وهي مملكة
قديمة في إثيوبيا. وثمة فكرة أخرى بديلة، مفادها أن سبأ هي مملكة قديمة تقع في
الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربيّة، في ما يعرف اليوم باليمن.
وعلى الرّغم من محاولات الباحثين حسم الإجابة حول موقع سبأ، وأين كانت هذه المملكة
القديمة واسم ملكتها، فإنّ القرآن الكريم يركّز على أهمية الاستفادة من تفاصيل قصّة
ملكة سبأ وقومها، كي ننفتح على قدرة الله وعظمته أكثر في تفاصيل حياتنا، ولنؤكّد
عمق إيماننا بالله وتجذّره في وجداننا الفرديّ والجماعيّ.