اليوم: الأربعاء19 ربيع الأول 1445هـ الموافق: 4 اكتوبر 2023

هلاك فرعون وانتصار موسى

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

وجاءت نهاية المطاف.. فقد قرّر فرعون بعد هذا العناء الطويل في صراعه مع موسى، أن يستعمل القوّة القاهرة المسلّحة للقضاء على موسى وأتباعه، ليحفظ هيبة موقعه الإِلهيّ وقوّة ملكه. وبدأ يعدّ العدّة لذلك، وأوحى الله إلى موسى بالأمر ليأخذ له عدَّته.

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} من بني إسرائيل، فتحرّك باللّيل لتغطي انسحابك، لتخرج بني إسرائيل معك من دون استشارة فرعون، لأنّك في موقع القوّة لا الضعف الذي يضطرّك إلى أخذ موافقته. ولكنّ ذلك لن يخفّف من طبيعة المجابهة المسلّحة التي قرّر فرعون مواجهتك بها، {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} ومطاردون، وذلك من خلال الجموع الغفيرة التي دعاها للقيام بتلك المهمّة ضدّكم.

{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ}، يجمع الناس ويحشرهم إليه، ليثيرهم ضدّ موسى وقومه بطريقةٍ إعلانيّةٍ مضلّلة، {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}، فلن يكلّفنا القضاء عليهم جهداً كبيراً، ولا مدّةً طويلة، لأنهم جماعة قليلة لا تمثّل أيّة قوّةٍ في العدد والعدّة والموقع.

{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ}، يأتون بالأعمال والمواقف التي تجلب لنا الغيظ، بما تثيره من النتائج السيّئة على مستوى قضايا العقيدة والعمل، {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}، نؤكد الحذر الذي يفرض علينا متابعة التحدّيات في مواقعها الكبيرة والصغيرة، لنهزمها وندمّر كلّ مواقع قوّتها قبل أن تطبق علينا بالخطة الموضوعة المرسومة التي يعمل أصحابها على اغتيالنا وتدمير مصالحنا بطريقة وبأخرى.

{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}، في خروجهم الذي أرادوا من خلاله ملاحقة موسى وقومه، فكانت النّتيجة أنهم خرجوا من كلّ ملكهم، وفارقوا كلّ تلك الجنّات والعيون والكنوز الكثيرة الغنيّة والسلطة الواسعة، فلم يرجعوا إليها {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}، فأبقيناهم بعدهم وكانوا هم الوارثين لذلك كلّه. {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ}، أي في وقت شروق الشّمس ليلاحقوهم في الضّوء، وكانوا قد قطعوا مرحلةً كبيرةً في سيرهم باللّيل، {فَلَمَّا تَراءى الْجَمْعَانِ}، ودنا بعضهم من بعض، وأبصر بعضهم بعضاً، {قَالَ أَصْحاَبُ مُوسَى} الذين عاشوا القهر والاستعباد من فرعون حتى تأصَّل الخوف في نفوسهم، وتعمّق الرّعب منه في قلوبهم، ففقدوا الثقة بأنفسهم، وابتعدوا عن التفكير في قوَّة الله من فوقهم، {إِنَّا لَمُدْرَكُون}، فسيدركنا فرعون بجنوده، وسيقبضون علينا ويقتلوننا أو يرجعوننا إلى العبوديّة من جديد.

{قَالَ كَل}، فلن يستطيعوا اللّحاق بنا مهما حاولوا، لأنّ القضيّة ليست في مستوى القضايا العاديّة التي ترتكز على القدرة البشريّة، بل هي في مستوى التّدبير الإلهي الذي لا يخضع للأمور المألوفة في قوانين الطّبيعة، {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، فهو الحافظ لي من الأعداء، وهو النّاصر لي عليهم، في ما وعدني به في بداية الرّسالة. ولذلك، فإني واثق بأنه سيدلّني إلى الطريق الآمن الذي لن يستطيعوا اللّحاق بي من خلاله.

{فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ} وانشقّ، {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} أي قطعة منفصلةٍ من الماء {كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} أي كالجبل العظيم. وهكذا دخل موسى في قلب البحر، ولكن في أرض يابسة يحيط بها الماء من كلّ جهة.

{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الاْخَرِينَ}، وهم فرعون وجنوده، وقرّبناهم إلى المنطقة التي سار فيها موسى وقومه، حتى يشعروا بالأمن في ملاحقتهم لهم {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} فأخرجناهم من البحر إلى البرّ، {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} فقد انطبق البحر عليهم بعد خروج موسى وقومه.

{إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}، فقد رفضوا كلّ ما قدَّمه لهم موسى من آياتٍ وبيِّناتٍ، من دون أن يملكوا أيّ أساس للرّفض، فكان جزاؤهم العقاب في الدنيا والآخرة.

وعلى الأمم اللاحقة لهم أن تتفهّم هذا الدرس في ما تواجهه من دعوات الأنبياء، فتعرف كيف يأخذ الله المتمرّدين أخذ عزيز مقتدر، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، فلا يستطيع أحد أن ينتقص من عزَّته، كما أنَّ رحمته تتّسع لكلّ خلقه.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

مواضيع متعلّقة

تعليقات القرّاء

ملاحظة: التعليقات المنشورة لا تعبّر عن رأي الموقع وإنّما تعبر عن رأي أصحابها

أكتب تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو الأشخاص أو المقدسات. الإبتعاد عن التحريض الطائفي و المذهبي.

  • تحويل هجري / ميلادي
  • المواقيت الشرعية
  • إتجاه القبلة
  • مناسبات
  • إتجاه القبلة
تويتر يحذف حساب عهد التميمي تويتر يحذف حساب عهد التميمي الاحتلال يعتقل 3 فتية من الخليل الشيخ عكرمة صبري: من يفرط في القدس يفرط في مكة والمدينة شيخ الأزهر يؤكد أهمية تدريس القضية الفلسطينية في مقرر دراسي حماس تدين جريمة كنيسة مارمينا في القاهرة الهيئة الإسلامية المسيحية: الاعتداء على كنيسة حلوان إرهاب يجب اجتثاثه الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء الحكم على محمد مرسي بالحبس 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء منظمات أممية تدعو لوقف الحرب في اليمن داعش تتبنى هجوم الأربعاء على متجر بسان بطرسبورغ الميادين: مسيرات حاشدة في مدن إيرانية رفضاً للتدخل الخارجي بالبلاد بنغلاديش تستعد لترحيل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى ميانمار فى يناير/ كانون الثاني وزير ألماني محلي يدعو للسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب صحيفة أمريكية: الولايات المتحدة تفكر فى قطع مساعدات مالية عن باكستان مقتل 3 عمال في إطلاق نار في ولاية تكساس الأميركية بوتين يوقع قانوناً لإنشاء مختبر وطني لمكافحة المنشطات مسلح يقتل عمدة مدينة بيتاتلان المكسيكية علماء يبتكرون لقاحاً ضد الإدمان على المخدرات منظمة الصحة العالمية: السكري سابع مسببات الوفاة في 2030 دراسة: تلوث الهواء يقتل 4.6 مليون شخص كل عام المشي 3 كيلومترات يومياً يحد من تدهور دماغ كبار السن ضعف العلاقات بين المهاجرين ندوة في بعلبكّ: دور الحوار في بناء المواطنة الفاعلة شهرُ رجبَ شهرُ الرَّحمةِ وذكرِ الله لمقاربةٍ لبنانيَّةٍ وحوارٍ داخليٍّ قبل انتظار مساعدة الآخرين السَّبت أوَّل شهر رجب 1442هـ مناقشة رسالة ماجستير حول ديوان شعريّ للمرجع فضل الله (رض) الحجاب واجبٌ وليس تقليدًا اجتماعيًّا في عصر الإعلام والتّأثير.. مسؤوليَّة تقصّي الحقيقة قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟! فضل الله في درس التفسير الأسبوعي
يسمح إستخدام المواضيع من الموقع شرط ذكر المصدر