السُنّة هي قول المعصوم وفعله وتقريره. والقول قد يكون وجوباً، وقد يكون تحريماً،
وقد يكون استحباباً، وقد يكون كراهة، وقد يكون إباحة، فنتبع كلّ ما قاله بحسب ما
يدلّ عليه قوله.
أمّا فعله، فتارةً يكون المعصوم في مقام التّعليم، فهذا يعني أنّه يريد أن يبيّن
التشريع من خلال عمله، يعني انظروا إليّ ماذا أعمل أنا فاتبعوني في ذلك، وظاهر ذلك
أنّه تشريع إلزامي، كما هو في ما نأخذه من أفعال الحجّ وما إلى ذلك.
أمّا التقرير، فهو أن يرى (ص) شيئاً ويسكت عنه، ويقرّر فعله، وهذا يدلّ على أنّه
ليس بحرام، وقد يُستدلّ به أحياناً على الوجوب أو الحرمة بحسب القرائن المحيطة.
وهذا أيضاً من السنّة.
وفعل النبيّ (ص) ـ كما يقول الأصوليون ـ أعمّ من أن يكون إلزاماً، كما أن تركه أعمّ
من أن يكون انتهاءً. والفعل غاية ما يدلّ عليه كون الشيء مباحاً؛ لأنّه لو كان
محرَّماً، لما فعله النبيّ (ص). الترك أيضاً يدلّ على أن التّرك مباح أيضاً.
فبالنّسبة إلى فعل النبيّ (ص)، حتى من خلال بشريته، نفرض أنّه كان ينام عند التعب،
وكان يعجبه أن يأكل هذا الشّيء، أو يأكل ذاك الشيء، ولا يعجبه أن يأكل من هذا
الشّيء أو ذاك، ليس معناه أنّ الذي كان يأكله النبيّمستحبّ أكله، أو أنّ ما كان
يعزف عنه النبي نقول إنّه حرام أكله.
كلا؛ نحن نقول إنّ النبيّ بشر، والبشر قد يعجبه شيءٌ من الطّعام وقد لا يعجبه شيء
آخر منه، قد يعجبه أن ينام في أوّل اللّيل، وقد يعجبه أن ينام في نصف اللّيل مثلاً.
وهكذا، هذه الأمور التي تتعلق بالبشريّة. كلّ ما نستفيد منه أنّ هذا أمر جائز،
ولكنّنا لا نستطيع أن نقول: إنّ هذا واجب، أو إنّ هذا حرام، أو إنّ هذا مستحبّ، أو
إنّ هذا مكروه، أو ما أشبه ذلك.
والله سبحانه وتعالى أرادنا أن نتّبع النبيّ (ص) في ما يبيّنه من الأمور الشرعيَّة،
أمَّا ما يتّصل بالشؤون البشريّة التي يمارسها النبيّ من موقع بشريَّته، فيبقى
خاضعاً للإباحة العامَّة، وليس من السنّة الشرعيَّة، والله العالم.
*من كتاب "النَّدوة"، ج 15.