تشكّل الجمعيات الخيريّة في لبنان رافعة كبيرة من رافعات المجتمع، وإحدى المحطات المدنيّة الّتي استطاعت أن تحمي البلد وترعى العائلات المسحوقة والأيتام وذوي الاحتياجات وغيرهم منذ سنوات الحرب وإلى الآن.
وتمثّل جمعيّة المبرات الخيرية التي أسّسها المرجع الراحل العلامة السيّد محمد حسين فضل الله (رض) في العام 1978، واحدة من كبريات الجمعيات الخيرية اللبنانية التي استطاعت ملء الفراغ الذي تركه غياب الدولة أو إهمال الحكومات المتعاقبة للفئات الاجتماعيّة التي أنهكها الفقر والعوز، أو تلك التي كانت فريسةً لليتيم بفعل الحرب والحوادث، وكذلك الذين فتكت بهم الأمراض والعاهات وتقطّعت بهم سبل النّجاة، فلم يجدوا ملاذاً إلا في واحة الخير هذه.
ولكن يبدو أنّ الظروف التي أصابت البلد في اقتصاده وسلامه الاجتماعي، راكمت الأزمات التي انعكست على هذه الجمعيّات، حتى بات الوارد إليها من حالات الفقر واليتم والضّغط الاجتماعي هو أكبر بكثير من الوارد إليها من طريق التبرّعات ومما يقدّمه أهل الخير، وخصوصاً أن جمعية كجمعية المبرات الخيريّة لا تعتمد على مساعدات تقدَّم إليها من أيّ دولة أو من جهات سياسية، وتصرّ على استقلاليّتها التي سارت في خطها منذ التأسيس، فكانت نهجها الذي أكسبها صدقية على مستوى البلد كلّه، وبعيداً من الحسابات الطائفية والمذهبية وحتى السياسية.
ويغدو شهر رمضان واحداً من الميادين التي اعتمدت عليها الجمعية، وإن كانت التطوّرات قد جعلتها تعدّل من خطة عملها أسوةً بالجمعيات الأخرى، فبعد أن كانت الإفطارات الرمضانيّة ركيزة من ركائزها في هذا الشّهر، إلا أنّ التطوّرات الأمنية التي حدثت سابقاً، وجائحة كورونا المستجدّة، جعلتها تبعث برسائل الاعتذار لمن كانوا سنداً بارزاً لها في هذه الإفطارات، وإن كان الكثير منهم يقوم بواجبه الإنسانيّ حرصاً على حفظ رسالة الخير، وبعيداً من المناسبات الاجتماعية التي باتت مستبعدة في ظلّ الإجراءات الصحيّة المستمرّة من قبل الدّولة، والتي اعتمدتها الجمعية في مؤسّساتها ومدارسها، ومختلف صروحها الثقافية والتربوية والصحية والاجتماعية وغيرها.
وفي الموازاة، طوّرت الجمعية من أدائها الصحيّ، من خلال توفير الرعاية الصحيّة بأعلى مستوى في مؤسّساتها، ومواكبة حاجات النّاس في هذه الظروف الدقيقة، وعملت على تأمين الأدوية لعائلات المرضى بحسب إمكاناتها، كما عملت عبر كادرها الصحّيّ والعاملين فيها وأعداد المتطوّعين، على التنسيق مع المنظّمات والجمعيّات الأخرى، لاحتواء هذا الوباء ومحاصرته ومنع انتشاره.
أمّا الأيتام، فأطلقت تجاههم المبادرات لإفطارهم وأسرهم في البيوت، حيث تقوم بتحضير الإفطارات اليوميّة لهم (يبلغ عددهم 4605 في المبرّات)، وتقوم بتوزيعها عليهم قبل موعد الإفطار، بما يؤمّن حمايتهم الصحية والنفسية والاجتماعية، ويحفظ وضعهم الجديد في إطار أسرهم وبيئتهم الخاصّة، ويترافق ذلك مع تأمين برنامج يوميّ توجيهي للأيتام في بيوتهم.
أمّا الطلاب من ذوي الصعوبات التعلّميّة، حيث هناك أكثر من 1300 طالب مدمج في مدارس المبرات، فقد جرى اعتماد تقنيّات ملائمة لتعليمهم في ظلّ الظروف الراهنة.
وإلى جانب ذلك، تضاعف الاهتمام برعاية المسنّين، وتأمين كافّة المستلزمات الصحيّة لهم في دور الرّعاية الاجتماعيّة داخل صروح المبرّات، وخصوصاً أنّ الوضع الصحّي بات يستدعي اهتماماً خاصّاً، لأنّ الأخطار باتت تهدّد حياتهم في حال تسلّل الوباء القاتل إلى هذه الدّور والصّروح، وحيث تكون مقاومة المسنين ضعيفة، وهم الأكثر عرضةً للخطر.
ووسط كلّ هذه الظّروف، عملت المبرات على توزيع الحصص الغذائية على المحتاجين والعائلات الأشدّ فقراً، ولم تمنعها كلّ هذه التطوّرات من أن تواكب وجع الناس وآلامهم وجوعهم، وأن تتابع حوالى 624 حالة من ذوي الاحتياجات الخاصّة لتؤمن لهم حاجاتهم الخاصّة، وأن تقوم بما يلزم حيالهم، وخصوصاً على المستوى التعليمي والرعائي. وإلى جانب ذلك، أطلقت مشروع خدمة الدعم النفسي والاجتماعي للأهالي والتلامذة عبر الخطّ السّاخن، وأنشأت منصة خاصّة بالمبرّات للتعليم عن بعد، وهي من أبرز المنصّات التعليميّة في لبنان، والتي يستفيد منها أكثر من 22 ألف تلميذ من الرّوضات وحتى الصفّ الثالث ثانوي.
وقد كان للمبرّات دورها المباشر صحياً في مواجهة كورونا، من خلال تجهيز مركز طبي تابع لمستشفى بهمن، لاستقبال الحالات المصابة ومن تستدعي الحاجة مداواتهم ومعالجتهم في الظروف القاسية والصعبة.
هذا جزء من نشاط جمعية المبرات الخيرية التي تضمّ ما يزيد على خمسة آلاف موظّف وموظّفة، وتعمل على تأمين رواتبهم في ظلّ هذه الظروف القاسية التي أصابت البلد في اقتصاده وأمنه الاجتماعي والصحي، وانعكست بثقلها على الجمعيات الخيريّة كما انعكست على الجميع.
ويرى العلامة السيّد علي فضل الله، أنّ أهمية جمعية المبرات الخيريّة تكمن في سعة الدور الذي تقوم به على المستوى الرعائي والاجتماعي والإنساني العام، وفي مجالات رعاية الأيتام ومتابعتهم حتى سنوات التخرّج، والسعي لحلّ مشاكلهم حتى عندما يصبحون كباراً وينخرطون في مجالات العمل المتعدّدة، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين عملت الجمعية على أن تكون إلى جانبهم، ليتحوّلوا إلى عنصر منتج بدلاً من أن ينظر المجتمع إليهم وكأنهم عالة عليه.
ويشير سماحته إلى أنَّ جمعيّة المبرات الخيريّة كغيرها من الجمعيات، تشعر بأنّ الظروف التي يعيشها البلد تمثّل الخطر الكبير على مختلف المستويات، وبخاصَّة على الجمعيات التي تعمل وفق منهج الاستقلاليّة، والتي تعتمد في كلّ عملها على ثقة الناس، بعيداً من مدّ اليد إلى هذه الدولة أو تلك، أو إلى هذه الجهة أو تلك، فعندما يقتصر عمل الجمعيّة على تقديمات النّاس وعلى المؤسّسات الإنتاجيّة التّابعة لها، بعيداً من أيّ ارتهان، لا بدّ أن يصل الضيق الاجتماعي إلينا، وأن نتأثر بظروف النّاس.
ولكن في المقابل، علينا أن نشعر بالارتياح بالنّظر إلى ثقة الناس بجمعيّة المبرات الخيرية؛ هذه الثقة التي جعلتهم يستمرّون بتقديماتهم لملامستهم شفافية عملها، وشعورهم بأنّ ما يقدّمونه يذهب إلى أهل الحاجة والفاقة وإلى المستحقّ على مختلف المستويات. ومن هنا، رأينا استمراراً نعتزّ به في تقديم الأموال، عبر كفالات الأيتام وغيرها من أنشطة الجمعيّة، حتى في أصعب الحالات والظروف.
وفي المقابل ـ يتابع العلامة فضل الله ـ لمسنا هذه الثقة من الدولة اللبنانيّة، ومن خلال متابعة المسؤولين لما تقدّمه الدولة، لاحظنا شعورهم بشفافية تعاطي الجمعيّة مع ذلك، ولمسنا ثقة كبيرة حيال ما نقوم به تجاه النّاس، وهو ما يعطينا دافعاً إضافياً لكي نحمل الأعباء التي قد لا تستطيع الدولة نفسها أن تحملها، وأن نقدّم أنموذجاً في الأمانة على الأموال العامّة، تماماً كما نعمل في كلّ ما يتّصل بتقديمات أهل الخير للجمعيّة.
ويؤكّد سماحة السيّد علي فضل الله أنّ الجمعيّة آلت على نفسها أن تحمل العبء الأكبر في سدّ حاجات النّاس، ولذلك استمرّت في التقدّم إلى الأمام عبر مؤسّسات جديدة تمّ إنشاؤها لتواكب تطلّعات الناس واحتياجاتهم، وطموحها أكبر في أن تواصل هذه المسيرة، وعلى مختلف المستويات، في بلد اعتاد الناس تقليع شوكهم بأظافرهم.
ورأى سماحته أنّ الجمعية تتميّز بانفتاحها على الجميع، وأنها في الوقت نفسه تحتضن كلّ صاحب حاجة بحجم إمكاناتها، وأنّ من يدخل إلى مؤسّساتها يجد هذه الرّحابة التي يلاحظها بعيداً من الجمود ومن أيّ عنوان، وهو الأمر الذي لا يتناقض مع التزامات الجمعيّة ومبادئها وتوجيهاتها، لأننا في الأصل نعمل للإنسان ولخدمة الإنسان بعيداً من كل العناوين، كما أننا نرى في جسور التلاقي أساساً لا يمكن تركه أو التخلّي عنه. ومن هنا، عملنا ونعمل لنرفد بعضنا البعض كجمعيّات إنسانيّة في لبنان، وعلى أن ننفتح على بعضنا البعض على مستوى الطوائف، وأن نحافظ على هذا التواصل في الوقت الذي نحرص على البقاء مع التزاماتنا وعناويننا الخاصة.
وأشار السيد فضل الله إلى أنّ جمعيّة المبرات الخيريّة، وبعد التجربة الكبيرة التي استفادت منها على طول مسيرة تربو على الأربعين عاماً، تقوم بدورها في التّواصل مع الجاليات اللّبنانيّة، وكذلك الجاليات العربيّة والإسلاميّة في المغتربات، لتقديم عناصر هذه التجربة، ولإتاحة الفرصة للاستفادة منها في الخارج، وليس على أرض الوطن فقط.
*خاصّ موقع بيّنات.