من يُثيرون النّعرات المذهبيّة، هم - في كثير من الأحيان - من غير المتديّنين، أو ممّن يعيشون التديّن في السطح لا في العمق، أو ممّن هم خارج الدائرة الإسلاميّة. والقيادات الطائفيّة الدينية معنيّة بالارتفاع بمستوى الناس إلى مستوى القيم الدينية والرسالة التي يؤمن بها كلّ طرف؛ لأنّ المذهبيّة هي - في واقعها - وجهة نظرٍ تمثّل قيم هذا الدين أو ذاك، والابتعاد عن هذه القيم باسم الطائفية، يمثّل، في النتيجة، ابتعاداً عن الدين نفسه.
كما أنّ سيادة ثقافة القيم، من شأنها أن تسهم في أمرين: التقريب بين أبناء الطّوائف، وجعل تلك القيم تمثّل معايير مشتركة واقعيّة، يُمكن لكلّ طائفة أن تحتكم إليها لتقييم أيّ واقع، أو شخصٍ، بعيداً من انتمائه المذهبي.
لذلك، من الصعب الحديث عن مسؤوليّة مباشرة؛ لأنَّ المسألة المذهبيّة في عالمنا بالغة التعقيد، حيث نجد فيها التّداخل بين العالم الخارجي الذي يحاول السيطرة على مواقع المسلمين، بإضعاف البنية الداخليّة للمسلمين، كما تتداخل فيها حركة القيادات السياسيّة على اختلاف مواقعها، بتنازل الشعوب عن دورها في تصويب القيادات، إضافةً إلى حضور للتراكمات التاريخية السلبية التي لم يجرِ نقدها في عمليّة التربية الدينية التي يخضع لها الدعاة إلى جانب الجماهير.
إنّ المستفيد الأكبر من أيّ فتنة مذهبيّة أو طائفيّة قد تقع هو العدوّ، لأنَّ الفتنة تضعف الأمّة أمام أعدائها، بحيث تجعل كلّ القوى والأنشطة موجَّهة ضدَّ بعضنا البعض، بدلاً من أن تكون موجَّهة ضدّ أعدائنا الخارجيّين.
فلا بدّ للقائمين على العمل الدّعويّ، من صياغة معايير واضحة تستند إلى الأسس الإسلاميّة الصادقة، بحيث تشكِّل هذه المعايير البرنامج الذي يتحرّك في إطاره كلّ العاملين في إطار الدّعوة، ومن أهمّ هذه المعايير، التّأسيس لثقافة الانفتاح على الآخر، واحترامه، ونبذ العصبيّة، وإضفاء منهج الحوار في إدارة الاختلاف، وعدم الخلط بين الأمور.
كما أنّ على العاملين في إطار الدّعوة، التريث في تقييم أداء هذا أو ذاك، ليس على أساس الانتماء المذهبي، بل على أساس ما يختزنه الأداء من قيمة موضوعيّة تستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله (ص).
*المصدر: من حوار لسماحته مع شبكة "إسلام أون لاين"، بتاريخ: 28 محرّم 1428 هـ/ 15/2/2007.