الكلام هو في لزوم إيصال الماء إلى نفس البشرة بدون وجود مادة عليها في صحة تحقيق عنوان التوضوء والاغتسال أم لا، ظاهر القرآن الكريم هو عدم اعتبار ذلك، كما هو مقتضى قوله تعالى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}، {وَإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}.
وأما الروايات، فهي لا تنص على لزوم إيصال الماء إلى البشرة بدون وجود أيّ مادة عليها، إلا بعض الروايات التي يفهم منها وجود مادّة منفصلة لا تعدّ جزءاً من الجسد، وهو الحناء في الرواية، مع أنه في رواية أخرى قال الإمام (ع) إنه يمسح فوق الحنّاء، أما مع وجود المادّة اللاصقة التي لا تعدّ جزءاً منفصلاً، فالمستند عندئذٍ الصّدق العرفيّ للغسل المأمور به شرعاً.
والغسل يكفي فيه ما يتحقّق مسمّاه، فيزال الحاجب الذي يزول بسهولة، أمّا اللاصق، فلا يمنع من صدق الغسل عرفاً.
في (صحيح إبراهيم بن أبي محمود: قلت للرّضا (ع): الرّجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق والطّيب والشّيء اللّكد (اللّزق)، مثل علك الروم والظرب (نوع من الطين اللّزج)، وما أشبه ذلك، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئاً قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره، قال: لا بأس).
(وموثق عمّار عنه (ع): في الحائض تغتسل وعلى جسدها الزّعفران لم يذهب به الماء، قال: لا بأس). وحكي عن المحقق الخوانساري في شرح الدروس، الاستدلال بالصحيح (صحيح إبراهيم) على عدم الاعتداد ببقاء شيء يسير لا يخلّ عرفاً بغسل جميع البدن، إمَّا مطلقاً أو مع النّسيان، وأنّه لا يبعد الالتزام بذلك لو لم يكن الإجماع على خلافه.
يقول السيد محمد سعيد الحكيم في "مصباح المنهاج": وتحصيل الإجماع الكافي في الخروج عن مفاد الصّحيح لا يخلو عن إشكال، كتحصيل الإعراض الموهن له، لعدم تحرير ذلك في كلماتهم بالنّحو الكاشف عن ذلك).
خلاصة: إنّ الحاجب الذي يمنع من صدق غسل البشرة عرفاً، ويضرّ بالوضوء أو الغسل، هو خصوص الحاجب المتحرّك، كضمادة الجرح وجبيرة الكسر، والحاجب الذي له جرم بارز قابل للتّساقط والزّوال، كمثل كتلة عجينة الطّحين والحنّاء والشّحم وما أشبهها مما له جرم واضح، فلا يشمل الحاجب الرّقيق اللاصق بشدّة في الجلد، مثل الدّهان والصّمغ ونحوهما، وخصوصاً الأجزاء القليلة منها، والتي تستلزم إزالتها العُسر والحرج، فإنّه مما يصدق معه غسل البشرة، ويصحّ به الوضوء والغسل رغم وجوده.
*المصدر: استفتاءات- فقه، علل وفلسفة الأحكام.