[فيما يتعلَّق بعمل المرأة السياسيّ، مثل القضاء ورئاسة الدَّولة] إنّنا نتصوّر أنَّ الإسلام قد أعطى المرأة الحقّ في الكثير من المواقع السياسيّة، وعندما شرَّع الإسلام منع المرأة من القضاء، فإنّ ذلك لم ينطلق من انتقاصٍ لحقّ المرأة في هذا الجانب، ولكنَّه كان احتياطاً للعدالة، باعتبار أنَّ الجانب العاطفيَّ في المرأة، فيما تمتاز به أنوثتها، وفيما تحتاجه أمومتها، ربّما يتدخّل في أحكامها القضائيّة، عندما يفرض الجانب القضائيّ اتجاهاً معيّناً للحكم هنا وللحكم هناك، فهو احتياط للعدالة، وليس انتقاصاً من كرامة المرأة.
أمّا مسألة رئاسة الدّولة، فقد تكون في الاتجاه نفسه، وربّما تكون هناك تعقيدات معيَّنة قد يخضع لها واقع الحكم في طبيعة حاجاته التي لا تنسجم مع القيود الأخلاقيّة أو غير الأخلاقيّة المفروضة الّتي لها علاقة بالتّمايز بين دور المرأة ودور الرّجل...
وقد تحتاج هذه القضيَّة إلى بحثٍ جديد، ذلك أنَّ بعض الأحاديث ـــ غير المعتبرة عندنا مع المناقشة في دلالتها على الموضوع ـــ التي تقول: "ما أفلحَ قومٌ وليتهم امرأة"، قد تكون واردة في طريقة الحكم التي كانت موجودةً في العهود السَّابقة, وهي طريقة الحكم المطلق للحاكم، وليس كما هي مسألة الحكم اليوم، الّتي يكون فيها رقابة على الحاكم ومحاسبة له، بحيث لا يستطيع الحاكم أن يبتعد عن الخطوط القانونيّة والواقعيّة التي تفرض رعاية المصلحة من خلال الخبراء والمستشارين ومجلس النوّاب وما إلى ذلك.
ولذا، فقد يتحفّظ الإنسان عن الحديث الوارد بهذا الصّدد، لشعوره بالحاجة إلى أبحاث جديدة، لنرى هل إنّ المسألة تتحدَّد في دور المرأة في الموقع، بحيث ليس لها هذا الموقع، أو تتحدَّد في نوعيّة حركيّة هذا الموقع من حيث الجانب المطلق أو المقيّد؟!
*من كتاب "دنيا الشّباب".