من المعلوم أنَّ العيدين الكبيرين للمسلمين، يأتيان بعد عبادتين أساسيّتين، هما صوم شهر رمضان المبارك، وأداء مناسك الحجّ، فالأوّل يأتي تتويجاً لمجاهدة النّفس للأهواء والرّغبات، والثّاني يأتي كانعتاقٍ للإنسان من كلّ العلائق الدّنيويّة، بغية ممارسة التّوحيد والإخلاص بأبهى صورة لله تعالى، فأن يضحّي الإنسان بأعزّ شيء لديه تتعلّق به نفسه من مال وأولاد ومتاع في سبيل بلوغ شيء لا حصر له ولا حدّ، هو مرضاة الله تعالى في الدّنيا والآخرة، وهذا ما يعمل العيد على صوغه وترسيخه في وجدان الفرد والأمّة.
لقد تعرّض أبو الأنبياء إبراهيم الخليل(ع) لامتحان إلهيّ، حينما رأى في المنام أنّه يذبح ولده إسماعيل(ع): {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102].
وهذا ما يؤكّد ثبات الإيمان واليقين في قلب إبراهيم(ع) لمشيئة الله تعالى، وكيف أنّ اللّطف والرّحمة الإلهيّة تعمّ الإنسان حتّى وهو في أصعب البلاءات والامتحانات، ليخرج منها واثقاً بربّه، قويّاً بإيمانه، ممارساً لهذا الإيمان سلوكاً حيّاً وفاعلاً ،ينعكس على الواقع كلّه إرادةً وعزيمةً راسخة مؤمنة بحقّ، قد صقلتها التّجارب، لتخرج للحياة بروح جديدة مليئة بالحيويّة والعطاء.
ونتذكّر في هذه المناسبة ذكرى حجّة الوداع للرّسول(ص)، هذه الخطبة الجامعة المليئة بالدّروس والعِبَر، ومنها التمسّك بكتاب الله والعترة الطّاهرة: "وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي".. "أيّها النّاس، إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم.."، إلى آخر الخطبة الشّريفة. فهل يعيش المسلمون معاني خطبة الرّسول(ص) في ارتباطهم بكتاب الله وأهل بيت الرّسول(ص)؟ وهل أموال المسلمين وأعراضهم في مأمن من بعضهم البعض؟!
أن نعيش معاني العيد، أن ننفتح على كلّ المفاهيم والتّعاليم الّتي أوصى بها الرّسول(ص) وأهل بيته الأطهار، ففي ذلك انفتاح على الإسلام ككلّ، عندها تشعر بحقيقة العيد تتخطّى كلّ الفوارق والحواجز، أن ينعكس العيد إحياءً لكلّ المشاعر الطيّبة والخيّرة الّتي تعمل وتبني بهدي الإسلام ورسالته على كلّ الصّعد، عندها تتحقّق أهداف العيد بهجةً عمليّة في أرجاء الواقع وفي كلّ مساحات الحياة.
العيد مناسبة ليحيا المجتمع كلّ معاني الشّكر لله والتقرّب منه، ومن تجلّيات ذلك، أن يتواصل الإنسان مع أرحامه والنّاس من حوله، ليكون المجتمع مجتمعاً متراحماً متشاركاً في الهموم والآمال، مجتمع الإيمان العامر بالنّفوس والعقول، لا مجتمع الأحقاد والتّباعد، فالعيد محطّة روحيّة وتربويّة وأخلاقيّة هامّة، تعمل على جعل المجتمع كياناً وعائلة واحدة، يحارب كلّ مشاعر البغضاء والأحقاد، ويزرع مكانها مشاعر الألفة والمحبّة والعطاء.
فهل يعمل المسلمون اليوم على مدّ جسور التّواصل بينهم، ويعيشون بالتّالي معنى العيد الفعليّ في تراحمهم ووحدتهم وتكافلهم؟!..
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .