
في محاضرةٍ له، يدعو سماحة العلامة المرجع، السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، إلى عدم تقليد الآباء دون نقاش ودون تأمّل... ومما جاء في هذه المحاضرة:
عندما يكون الجيل الأوَّل جيلاً ضالاً، فإنَّه يفرض ضلاله على الجيل الآخر، لأنَّ الجيل الآخر يتبعه ويسير في مسيرته ويقلِّده في كلّ شيء، كما درج عليه الكثيرون من النَّاس، في أنّهم يقلّدون آباءهم في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، من دون أن يناقشوها، ومن دون أن يتأمّلوا فيها، كما لو كان آباؤهم معصومين...
ولا يزال فريق من النّاس في عالمنا هذا، عندما تحدّثهم عن عاداتهم الّتي ساروا عليها، وأنها ضارّة ومتخلّفة وليست نافعة، يقولون هذه عادات آبائنا وأجدادنا، وإنّهم ليسوا مستعدّين أن يدخلوا في مناقشة حول هذه العادات!
هذا هو الَّذي يجعل الأجيال الجديدة تدخل في الضَّلال بلحاظ الأجيال القديمة، ولهذا تحدَّث القرآن الكريم عن هؤلاء الّذين إذا سئلوا عمَّا هم فيه من الكفر أو من الضَّلال، قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ - على طريقة - وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}[الزّخرف: 23]، فقد ربَّانا آباؤنا على هذه العادات والأفكار والتَّقاليد، ونحن نأخذ بها ونسير عليها!
وينقل الله سبحانه وتعالى لنا رفض الأنبياء لهذه الطَّريقة في التَّفكير، وردّهم على الّذين يقولون ذلك:{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ - فقد كان آباؤكم يفكّرون بهذه الطّريقة، فما رأيكم بطريقةٍ أخرى أكثر وعياً وهدايةً وصواباً وصحّةً مما درج عليه الآباء - قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}، فلسنا مستعدّين أن نناقش هذا الكلام أبداً.
وفي آية أخرى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}[المائدة : 104] - أي أولو كان آباؤكم جاهلين وكنتم مثقّفين، مثل إبراهيم(ع) عندما قال لأبيه:{يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي} مريم : 43]، افرض أنّك أبي وأكبر منّي، لكن أنا متعلّم أكثر منك، وما أملكه من العلم ليس موجوداً عندك، فالجاهل يجب أن يتبع العالم، والصّغير ليس عليه أن يتبع الكبير في كلّ شيء.