العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
09 شعبان 1444هـ
/ 01/03/2023
جاء في الحديث: "إنَّما قلبُ الحدثِ كالأرضِ الخاليةِ، ما ألقي فيها من شيء قبلته".
وليس المقصود من الحديث أنّ الطّفل لا يملك قابليّات داخليَّة خاصَّة قد تكون فطريَّة أو ناتجة من عوامل وراثيَّة، فنحن لا نستطيع أنْ نحوِّل المعجون إلى صورة من الجماد إلَّا من خلال القابليّات الموجودة في داخله.
فالمقصود بالأرض الخالية هي الأرض التي تملك قابليّة النموّ بما تحتويه من عناصر، وليس الأرض الفارغة تماماً من كلّ شيء. فالطّفل يولَد ولديه قابليّات واستعدادات وقدرات كافية وقابلة للنموّ والتطوُّر، إذا ما تهيّأت لها العوامل البيئيَّة المناسبة والمناخات التربوية الملائمة.
لذلك نقول إنَّ تربية شخصيَّة الطفل بمختلف أبعادها الجسدية والانفعالية والعقلية والروحية، تتطلَّب مراعاة مستوى النموّ والنّضج لديه، فلا نحدّثه عن المفاهيم المجرّدة في الوقت الذي لا يستوعب الأشياء إلَّا من خلال أدوات الحسّ والتجربة التي تتطلَّب وسائل إيضاح تسهّل عمليَّة بناء المفاهيم في عالَم الفكر، وبهذا لا يجوز أن نعلِّم الصّغار بأساليب تعليميّة تختصّ بالكبار.
على هذا الأساس، لا بدَّ وأن نملأ قلب الحدث بكلّ ما يساعده على النموّ الطبيعي الذي يتناسب مع كلّ مرحلة بخصائصها المختلفة، فيعيش حريّته في طفولته، فلا أوامر تفرض عليه اختيار هذه اللّعبة أو تلك، ولا قيود تمنعه من استهلاك الطَّاقة الحركيّة لديه.
علينا أن نساعد الطفل على صياغة تجربته الخاصَّة في لهوه ولعبه، وفي تداوله للأشياء وطرق اكتشافها، وهذا لا يعني التخلّي عن مراقبته ورعايته في حريّته التي قد تحتاج إلى بعض القيود والضَّوابط التي تؤهّله لمواجهة التحدّيات في المستقبل.
إنّنا كمربّين بحاجة إلى متابعة نموّ الطّفل والتجارب التي يعيشها. لا بدَّ أنْ نتابع الطفل كحالة دراسيَّة، فنراقب تطوّره وكلّ حركاته وكلّ تعبيراته، لعلّنا نستطيع أن نقتطف من هذا الإنسان الصَّامت الذي لا يعبّر عن نفسه بلغتنا، تعبيرات إنسانيَّة تمكِّننا من معرفة كيف يفكِّر وكيف يتأثّر وكيف يشعر وكيف يكتشف الأشياء.
إنَّ الحديث يؤكِّد أهمية التربية المبكرة في الإعداد الإنساني.
* من كتاب "دنيا الطفل".