[إذا كان لكلّ شيء علّة ومعلول، فما تفسير من يعيش سيّئ الحظّ في الدّنيا منذ ولادته وحتّى مماته؟ وأين هي عدالة الله في الدّنيا في مثل هذه الحالة؟]
إنّ عدالة الله تعالى هي أن يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، والظّلم هو أن يمنع الإنسان من أن يأخذ حقّه، فهل لنا على الله من حقّ؟ بالتّأكيد لا، فالله هو الّذي صنعنا، وليس لنا عليه أيّ حقّ، فنحن ملكه، وهو لا يظلم إنساناً قطّ، بل لقد أجرى العدل بين عباده، وجعل للكون ولحركة الإنسان في السّنن التاريخيّة للكون أنظمةً وقوانين، وهذه الأخيرة تلحظ الإيجابيات النوعية للإنسان التي لو أهملها لحساب حالة معيّنة أو شخص معيّن، لكان التأثير السلبيّ في هذه الحالة أو هذا الشخص أكثر مما حصل عليه من مراعاة حالته الخاصّة، بلحاظ ما يفقده من السنّة الكونيّة أو التاريخيّة من نتائج إيجابية في الأمور الأخرى، وليست القضيّة هي عدم قدرة الله ـ تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ـ وإنما هي قضيّة الإنسان المحدود، فلا يمكن أن تكون هناك حلول مطلقة، فعندما تربح شيئاً، لا بدّ أن تخسر شيئاً، وهذه سمة من سمات الطّبيعة المحدودة.
فالله سبحانه وتعالى جعل قانون الوراثة حاكماً لعمليّة التّناسل الإنساني، وهو يحقّق مصالح نوعيّة للإنسان، إلا أنّ هذا القانون يمكن بموجبه أن ترث صفات سيّئة أو أخرى حسنة، ويمكن أن ترث أمراضاً أو تولد معافى، وقد ترث عناصر قوّة أو عناصر ضعف... وهكذا.
ونحن عادةً نلاحظ القضايا من جانب واحد، فمثلاً، قد نرى الغنيّ ونقول هذا حسن الحظّ، ونرى آخر فقيراً، فنقول إنّه سيّئ الحظّ، لكن هذا الغني قد يكون غبيّاً، وقد يعيش في شقاء في ماله، ويعاني المشاكل العائليّة والاجتماعيّة والصحيّة وغيرها، فقد يكون المال عنده كثيراً، لكنّه يعاني أمراضاً كثيرة، فلا يلتذّ بطعامه وشرابه، فيما الفقير يأكل كلّ شيء، ويحصل على مشتهياته بلا منغّصات. ويمكن أن تكون لشخص منـزلة اجتماعيّة، ولديه مشاكل، بحيث يتمنى أن يعيش حياته كإنسان عاديّ، لأنّه لا يملك حرّيته.
ولذلك، فالله سبحانه وتعالى عندما يأخذ منك شيئاً، فإنّه يعطيك شيئاً آخر مكانه، ولكن غالباً ما يرى الإنسان السّعادة في الجانب الذي يفقده، أمّا الجانب الذي يمتلكه، فلا يرى فيه السّعادة. وفي دعاء الإمام زين العابدين(ع)، إذا نظر إلى أصحاب الدّنيا: "شهدت أنّ الله قسم معايش عباده بالعدل، وأخذ على جميع خلقه بالفضل، اللّهمّ لا تفتنّي بما أعطيتهم، ولا تفتنهم بما منعتني، فأحسد خلقك وأغمط حكمك، واعصمني من أن أظنّ بذي عدم خساسة، أو أظنّ بصاحب ثروة فضلاً، فإنّ الشّريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك".
*من كتاب "مسائل عقيديَّة".