{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الزّمر: 69].
ويُطِلُّ النّور الإلهي على الكون {وَوُضِعَ الْكِتَابُ}، وتُنشرُ أعمال كلّ إنسان عمِلَها في الدّنيا، {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} الّذين أرسلهم الله لِيُقيموا الحجَّة على النّاس وليبلِّغوهم رسالته، ولينذرُوهم لقاءَ يومهم هذا، ويأتي النبيُّون {وَالشُّهَدَاء} الّذين يشهدون على أُمَمِهم بما فعلوا وعملوا، {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} كلٌّ ينال جزاءه؛ إنْ خيراً فخير، وإنْ شرّاً فشرّ، {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}[الزّمر: 70]، كلُّ واحدٍ أخذ جزاءه بعد أن وقف للحساب أمام الله الّذي أحصى ما عَمِلُوه.
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزّمر: 71]، وتسوقهم الملائكة إلى جهنّم جماعات جماعات، وتُفتَح أبوابُها لهم من دون أن يسجِّلوا أيّ اعتراض بأنّهم مظلومون، وليس لهم حجّة في ذلك، فقد جاءت رُسُل الله وحذَّرتهم من عاقبة هذا اليوم، فكانت الحجّة قائمةً عليهم ولا سبيل لهم إلى ردِّها {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72]. وليس الكِبْرُ نوعاً واحداً، فهناك تكبّرٌ على الله أو النّاس، أو تكبّرٌ على الحقيقة، وكيفما كان نوع الكِبْر، فإنَّ مثوى صاحبه ومصيره جهنّم خالداً فيها.
وتُقفَل أبواب جهنّم، وجاء دور المتّقين {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر: 73]، وبكلّ الاحترام، تأتي الملائكة بالمتّقين إلى الجنّة، ترحّب بهم في دار السّلام، لأنّهم عاشوا السلام مع الله، وكانوا طيّبين في إيمانهم وأعمالهم ونياتهم، وكانوا الطيِّبين في علاقاتهم وأوضاعهم، يحكم كلَّ ذلك تقواهُم، والتقوى هي مخافة الله، حيث يراقب التقيُّ ربَّه في سرِّه وعلانيّته، حتّى لا يَفْقُدَه اللهُ حيث أمره، ولا يَجِدَه حيث نهاه.
وعندما ينال المتّقون ثواب الله ورحمته، يفرحون بما آتاهم {وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[الزمر: 74]، فرأوا جمالَ الجنّة ونعيمها بما يفتح العقل والقلب والإحساس والشعور، فحمدوا الله على نِعَمه، حيث صَدَقَهُم وعده وبوّأهم مقاعد الصّدقِ ينعمون فيها.
فأهل النّار دخلوا النّار، وأهل الجنّة دخلوا الجنّة.. وماذا بعد؟ {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزمر: 75].
فلننفتح على هذا الجوّ، ولنراجع حساباتنا مع الله، من أجل أن نمحوَ السيّئات بالتّوبة {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 20].
* من كتاب "من عرفان القرآن".