عن الإمام الصَّادق (ع)، في الحديث عمّا يثبّت الإيمان: «من كان
فعله لقوله موافقاً»، يعني لم تكن هناك مسافة بين الفعل وبين القول لديه، بل
كان الفعل تجسيداً للقول، على حسب ما قاله الله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا
عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون}(الصّفّ: 2-3)، لأنَّ
قيمة القول إنما هي بمقدار ما يعبّر عمَّا يعيشه الإنسان في كيانه من التزاماته
الإيمانيَّة. ولذلك، فإذا خالف القول الفعل، فمعنى ذلك أنَّ الإنسان خالف نفسه،
وخالف ذاته، وخالف التزاماته.
«من كان فعله لقوله موافقاً، فأثبت له الشَّهادة بالنَّجاة»، أي إذا كان فعل
الإنسان موافقاً لقوله، فاشهد بأنَّه سوف ينجو في الآخرة برضوان الله سبحانه وتعالى،
وأنَّه سينجو من غضب الله تعالى، ومن النار.
«ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً، فإنَّما ذلك مستودع» ، فهو لا يمثِّل
الإيمان الثَّابت، لأنه لو كان إيمانه ثابتاً، لبان ذلك في فعله، وفي كلِّ أوضاعه،
وفي كلّ علاقاته ومواقفه.
وعن الإمام الصادق (ع) قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ هو العدل» الذي يعطي
الإنسان حقَّه، فيما يقوده إلى النجاة وإلى السعادة، وإلى الحصول على رضوانه، «إنَّما
دعـا العبـاد إلـى الإيمان به لا إلى الكفـر»، لأن الإيمان به هو الحقيقـة، وهو
الَّذي يمنهج للإنسان كلَّ ما يجلب له الخير والسَّعادة والرضوان، «ولا يدعو
أحداً إلى الكفر به»، لأنَّ الكفر بالله تعالى لا يمثِّل الحقيقة، بل يمثِّل
الباطل، ولا يمكن أن يدعو الله تعالى إلى الباطل، {ذَلِكَ
بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ}(لقمان:
30).
«فمن آمن بالله، ثم ثبت له الإيمان عند الله»، أي استقرّ إيمانه فيما أوحى
الله إليه به، من خلال معرفته بالله سبحانه وتعالى، وانفتاحه عليه، والعمل على
القرب منه، «لم ينقله الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك من الإيمان إلى الكفر» ، فإذا عرف الله
تعالى منه أنه يعيش إيمانه بكلِّ عمق وإخلاص وصدق، فإنَّ الله تعالى يثبِّته على
الإيمان، ويطرد عنه كلَّ وساوس الشيطان، وكلَّ تسويلاته.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
***
1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج2، ص 31.
2- بحار الأنوار، ج66، ص 213.