العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
16 شعبان 1444هـ
/ 10/03/2023
ذكرى المجازر التي تطاول الرموز والأبرياء، تُحفر في وجدان الأمة العام، وتصبح جزءاً من الذاكرة الحيّة لها، عند كل المحطات والمنعطفات التاريخية والاجتماعية والإنسانية، ولا سيما أنَّ دأب المجرمين والمسكتبرين لا يتبدّل، ومنطقهم لا يتغيّر، لأنهم يعتاشون على لغة الدماء، فلا ضير في قتل الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، كما يعتقدون، ما دام ذلك يلبي نهمهم اللامتناهي للقتل، ويحقق لهم مشاريعهم الخاضعة لأطماعهم وحساباتهم الدنيوية الضيّقة!
وتأتي ذكرى متفجرة بئر العبد، لتذكّرنا بما كان يتعرّض له الكبار من رموزنا، من ضغوطات وترهيب، لكي يضعفوا ويتنازلوا أمام طاغوت الأمن والسياسة والمال والجاه، ولكن منطق الكبار مختلف تماماً، إنه منطق القوة والصلابة، منطق المواجهة الحاسمة التي تستنفر كل الطاقات، في سبيل الدفاع عن الحق والحقيقة، والنضال من أجلهما، ولو كلّف ذلك دفع أثمانٍ باهظة.
"بئر العبد" مرتبطة على الدوام بصوت وموقف وكلمة مَن كان على الدوام رمزاً ومعلماً وقيمة إسلامية وإنسانية كبرى، رفضت الخضوع والمساومات، ورفضت الاستكبار والاستعلاء، وعملت في لحظة مصيرية مفصلية من عمر الأمة على استنهاضها من كل الجهات، روحياً ومعرفياً وعقائدياً، وتركت لنا مشروعاً نهضوياً علينا استلهامه جيداً، وحمله كأمانة ومسؤولية في خطاب الأجيال الناشئة.
مسؤولية الحفاظ على الذاكرة الجماعية، تعني التعاطي بحكمة ووعي مع تلك المحطات، بالتفاعل الإيجابي معها، واستلهام الدروس والعِبَر منها، والعمل على تجذيرها في الوجدان العام. أما أن نظل نتبع أنانياتنا وحساباتنا ومصالحنا الفئوية والدنيوية الفانية، فهو ما يؤدي إلى الانكفاء والتراجع، وعدم الفائدة العملية من كل التجارب الماضية، وهنا الطامة الكبرى، حيث تبتعد الأمة عن روحها الأصيلة في التواصل مع تجاربها الماضية، ما يضعفها، ويفقدها الكثير من عناصر قوتها وحضورها.
في ذكرى مجزرة بئر العبد، كل التحايا لأرواح الشهداء الأبرياء، ولروح المرجع المجاهد السيد محمد حسين فضل الله(رض)، الذي صبر وجاهد وعلّم وربّى، وحفر في ذاكرتنا دروساً في المحبّة والعلم والجهاد سيخلّدها الزمن.
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .